كثيراً ما يحصل الانسجام بين شخص وآخر بسبب توافق طباع أو عادات أو تقاليد فيكون ذلك سبباً للتواؤم والاختلاط والألفة بل وربما الصداقة والتآخي، وليس ببعيد أن يتجانسوا في حياتهم الاجتماعية وصفاتهم الخلقية، بل وربما مستواهم الثقافي، بل ربما يكون من تلك الأسباب التماثل في الصفة الخلقية والفكرية والتشابه في السمات، ومن هذا التآلف والتوافق تقوم الصداقة لدى الكثير من الناس، وينشأ من ذلك المثل القائل (رب أخ لك لم تلده أمك) والذي له اهتمام في تدقيق الملاحظات على ما يحصل لدى بعض الناس من تحول عما هو عليه تجاه صديقه، وخضوعه لما تمليه عليه الحساسيات التي تولد بتركها في نفسه لوناً من ألوان العتاب فتراه يأخذ بمعاتبة صديقه على أتفه الأسباب، معاتبة هي أشبه ما تكون بتحريك الماء الراكد فيأخذ بمحاسبة صديقه على كل ما يسمعه وما يراه، ثم لا يكون هناك تجاوز من صديقه وتبدأ الحساسية تكبر وتنتشر وتأخذ مجرى غير طبيعي بينهما، بل تأخذ دقة ملاحظة: كل منهما على الآخر مجالاً أشمل وأعم وأوسع، فلا تدع صغيرة ولا كبيرة إلا استدركتها على ما هو مضر فيها من أي منها. ولقد أعجبني بيت شعر من أبيات للشاعر عصام بن عبيد الزماني يشير فيه إلى معاتبة صديقه الذي أدخل قبله باب بيته قوماً ليسوا أحق منه بأن يدخلوا الباب قبله: أدخلت قبلي قوماً لم يكن لهم في الحق أن يلجوا الأبواب قدامي(1) (1) المنثور البهائي متن وصفحة 269 لمحققه الدكتور عبد الرحمن بن عثمان الهليل، وهو لعلي بن محمد بن خلف الهمذاني المتوفى سنة 414ه والزماني بكسر الزاي وتشديد الميم من بني زمان بن مصعب بن علي بن بكر بن وائل من بني حنيفة شاعر جاهلي ولا يبعد أن يكون مخضرماً لأن المرزباني يذكر أنه ناقض ابن أبي حفصة مولى مروان بن الحكم ومروان هذا عاش في عهد عثمان وأول الخلافة الأموية.