إن الشاعر هو مرآة عصره وصورة لأمته وعنوان لمجتمعه، يعكس آمالها وآلامها ويجسّد الأحاسيس الصادقة بيسر وسهولة وجمال.. فبالشعر الفصيح ما زالت قصائد امرئ القيس وطرفة وجرير والفرزدق والأعشى والبحتري خالدة باقية وبه صوَّر المتنبي دنياه وطموحاته وسجَّل وقائع سيف الدولة فقرأنا فيها روائع التصوير، وكذا رسم البحتري بريشته إيوان كسرى وبحيرة المتوكل وغيرهم من الشعراء الذين صوّروا في قصائدهم وأشعارهم خواطر النفس الإنسانية في شتّى حالاتها. فقصائد الفصحى أكثر إشراقاً وصلة بنفوس المتلقين لما تحفل به من الشعر الجزل المتين واللغة الصادقة السليمة والحس المرهف والذوق الأدبي الرفيع.. وحسبنا أن نجاري كل تطور دون التفريط في لغة الضاد. ولقد قال الآمدي الناقد المعروف (إن أشعار المجدّدين مثل أبي نواس وغيره مثل الريحان يشم يوماً ويذوى فيُرمى به.. وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر كلما حركته ازداد طيباً). إن الشعر الأصيل هو الذي تستروح من خلاله نفحات الصدق والأصالة والفن الجميل والوضوح والبيان والذوق والجمال والتألق في الأداء والحرص على المعاني والاحتفاء بالصياغة واجتلاب القلوب.. فالشعر موقف وتعبير ومضمون وهدف وموسيقى. وإن بلادنا منطلق الضاد وموطن الشعر الأصيل وموئل اللغة العربية الفصحى، ومنها انطلق فحول الشعراء ويجب أن تكون القدوة والرائدة في دنيا الشعر والأدب، كما كان الرواة قديماً يقصدونها ويأخذون عنها اللغة والشعر والأدب. فلنكن من المحافظين الأوفياء للغتنا وتراثنا وأدبنا وتاريخنا.. ولله درُّ القائل: وإذا كانت النفوس كبارا تعبتْ في مرادها الأجسام