كثيراً ما يتمنى الناقد للشعر حينما يلقي نظرة على قصيدة بقوله ليت الشاعر قال كذا وكذا، وإنه قَصَرَ نفسه فيها عن الوصول إلى أبعاد المدى الذي يجب أن تشتمل عليه القصيدة، وهذا لا يحصل إلا إذا كانت القصيدة من صنع شاعر خاص بها في بحر موضوع لا يسقط عنه خياله، ولا يحيط به إدراكه. والقصيدة تكون كاملة الصنع والإبداع إذا كان خيال شاعرها مُلّمًّا بأبعاد موضوعها، ولنأخذ مثلاً لذلك في النظر في قصيدة فلكية، إذا لم يكن شاعرها عارفاً بالفصول والأنواء والنجوم والظواهر الطبيعية وما يصحبها من تغيرات جوية ملموسة، فإنها تأتينا ناقصة وقاصرة عن احتواء ما يمكن فهمه، واستيعابه. وتطرب القصيدة الفخرية إذا كان شاعرها متربعاً تربعاً فعلياً على قمة ما كان يفتخر بالقيام به كالكرم والشجاعة وحسن الخلق ولزوم الأدب في كل ما يفعله. أما البحّار ومعتاد ركوب البحر، فإنه إذا كان شاعراً وقال قصيدة فإنه يبدع في وصف زرقة البحر وأمواجه الهادرة المتلاطمة المرعبة ويغوص بشاعريته في قيعانه وأبعاد سواحله، ومداعبة أسماكه وحيتانه بلهجة فيها رِقّة الماء حيناً وصخب أمواجه العاتية أحياناً والشاعر إذا أتقن فناً من الفنون يكون مرادفاً لفنه الشعري فإنه يتغنى به ويفتخر به، فإذا ما كان رساماً قرن بقصائده شيئاً من لوحاته ولمساته الرقيقة، وإذا كان خطاطاً استمتع بكتابة قصائده بفنه الخطي، مظهراً افتخاره بذلك، بل إنه يشيد بذلك في بعض أشعاره، وذلك مثل قول الشاعر الخطاط القناطري: إن لم أكن خطاط مصر فإنني لا شك شاعرها على الإطلاق(1) **** (1) ديوان القناطري ص1 واسمه: حسن عبدالوهاب عبدالحليم القناطري - جاء في - قوقل - في الإنترنت أنه ولد عام 1309ه في القناطر الخيرية وتوفي فيها عام 1374ه وله كتاب عنوانه (الخط العربي) صدر عام 1920م.