يقع بين مدة وأخرى أن نقرأ خبراً عن إعادة شخص مفقودات مالية بشكل خاص إلى صاحبها وبعض الأخبار لا تنشر في الصحف ولا شك أننا نكبر مثل هؤلاء الأشخاص ذوي الأمانة ونحترمهم. وفي كتب التراث بعض قصص الأمانة التي غدت مادة لأعمال أدبية متعددة مثل قصة (العميان) التي أعيدت كتابتها بشكل قصة قصيرة أو مسرحية من قبل أكثر من أديب! ولكن الخبر الذي قرأته في صحيفة الجزيرة ليوم الجمعة 19 رمضان 1432ه، عن إعادة اليابانيين (7.3) مليار ين عثروا عليها في المناطق المنكوبة بالمدِّ البحري في هذا العام الحالي - هذا الخبر شيء آخر!! وخصوصاً أن الخبر تضمن أيضاً العثور على 5700 خزينة تحتوي على إجمالي 2.36 مليار ين! فيكون المجموع 9.66 مليار ين!! لم أستطع إخفاء دهشتي وإعجابي بما قرأت، فجعلته حديثي على مائدة الإفطار مع الأسرة وإذا بأحد الأبناء تدمع عينه ويبكي تفاعلاً مع الخبر!! نعم، إن الإنسان يبكي أحياناً للأشياء التي تسرُّ وتسعدُ كما يبكي لما يحزن ويشقى، وكم يؤلم القلب أن نرى بعض المجتمعات تعاني من فقدان الأمانة، ليس في مثل هذه الحالات في الكوارث الطبيعية التي لا رقيب فيها ولا حسيب على الشخص، بل لكثرة حوادث السرقة بأنواعها، وفقدان الأمانة في التعامل، وانتشار الكذب والغش والخداع، من سرقة الأحذية في المساجد. لقد حدثت كوارث طبيعية عديدة في غير اليابان ولكننا لم نسمع بقليل أو كثير من مثل هذه الظاهرة الجماعية في أداء الأمانة، وعفة النفس، وإيثار الآخر. لقد زاد من ألمي في واقعي حادثتان: الأولى حادثة انقلاب حافلة وسقوط ركابها بين قتلى وجرحى - وكان بين الجرحى ابن أحد الأصدقاء ذهب ليدرس في ذلك البلد العربي فأخرج هاتفه الجوال وكلم أهله بما حصل لهم فمرَّ به أحدهم وطلب منه الهاتف لإجراء مكالمة، فأعطاه هذا الشاب الهاتف، فأخذه الآخر وجرى، ولم يلتفت لنداءات صاحبنا الجريح الذي يتلوى من الألم على الأرض!! وحادثة أخرى وقعت في رمضان هذا العام 1432ه سقط فيها أحد أقاربي من دراجته النارية بشكل مفاجئ بعد أن قطع عليها مسافة تزيد على ستين كيلو متراً، فمر به أحد هؤلاء من فاقدي الأمانة وأخذ دراجته وذهب بها، بدلاً من اسعافه، حتى جاء آخرون فوجدوه قد فارق الحياة!! لقد ذكرتني أمانة الشعب الياباني هذا موقفاً من تاريخنا الإسلامي في العصر الراشدي عندما جاءت الغنائم الكثيرة بعد فتح المدائن عاصمة كسرى، وفي الغنائم الجواهر الثمينة، فصار عمر رضي الله عنه يقلبها متعجباً ويقول: إن قوماً أدوا هذا لأمناء.. (فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين عففت فعفُّوا، ولو رتعت لرتعوا). إن الخير موجود دائماً، والشر موجود أيضاً، ولكن نهضة المجتمعات لا تكون إلا بغلبة ظاهرة الخير على الشر، والأمانة على الخيانة، والعدل على الظلم!! فهل نرى هذا قريباً في بلاد الإسلام قاطبة!؟ شمس الدين درمش