خصّصت مجلة (الإرشاد) التي تصدر عن جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني، عددها الجديد الذي حمل رقم 39 وصدر في يوليه 2011م، لذكرى بيعة خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -، وقد أتى محور العدد تحت عنوان (بصمة ملك .. حضارة أُمّة). ولعلّ من أهم الشهادات التي وردت في هذا العدد، المقابلة التي أجراها رئيس التحرير خالد بن محمد أبو عباة مع صاحبة السمو الأميرة الدكتورة ملكة بنت سعود آل جربا. فقد أعادت هذه المقابلة والشهادات التي تحملها إلى ذاكرتنا سيرة بعض الأميرات وزوجات الملوك الذين سطّرهم التاريخ الإنساني في صفحاته الناصعة بأحرف من نور، زوجات ملوك لم تشغلهن السياحة والتجارة والبحث عن الامتيازات. فقد تكاملت في سمو الأميرة ملكة خصال عديدة، كان أولها كرم المحتد وأصالة المعدن ونبله، وتربية جمعت أخلاق الصحراء الكريمة مع تعاليم الدين الحنيف وتحصيل العلوم الحديثة. فقد حصلت أولاً شهادة البكالوريوس في الكيمياء، فشهادة الماجستير في الدعوة والإعلام، وأخيراً الدكتوراه في الإعلام - قسم الاتصال السياسي، غير أنّ أهم مدرسة تعلّمت فيها كانت، كما تقول مراتٍ، هي مدرسة خادم الحرمين. فهي من هذه المدرسة تأخذ وعنها تصدر وفيها تبحث، منذ أنجزت رسالتها لنيل درجة الماجستير مع مرتبة الشرف عن جهود خادم الحرمين الشريفين في مجال الدعوة إلى الله، وهو الذي صرّح: (غايتي في هذه الحياة وهدفي الوحيد خدمة ديني). ثم أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه بدراسة تحليلية لخطاباته كنماذج للاتصال السياسي بالرأي العام المحلي خلال الأزمات، بالإضافة إلى مؤلّفات وأبحاث أخرى. وقد تميّزت جهودها باعتماد المنهج العلمي، بعبارة علمية رصينة بعيدة عن الإنشاء أو العواطف، ففي دراستها للدكتوراه لم تكتف بالتحليل الوصفي لمضامين خطابات خادم الحرمين - حفظه الله - بل تجاوزت ذلك إلى استخدام الاتجاه الاستدلالي في تحليل المضمون، إذ استخدمت هذه الدراسة (النظام المنهجي لتحليل المحتوى) في مجموعة من الخطوات المنتظمة التي تضبط سير العمل البحثي كي يصل إلى نتائجه المرجوّة في الكشف عن (مراكز الاهتمام) في هذه الخطابات و(استراتيجيات الإقناع) فيها. وفي هذه المقابلة تلقي سمو الأميرة أضواء على حياة خادم الحرمين الشريفين في منزله وبين أهله، حيث تتبّدى شخصيته الأصيلة وخلقه السامي النبيل وخصاله الحميدة التي لا تتبدّل مع الأوقات والظروف لأنها نتيجة أعطيات ومواهب إلهية، وأخلاق ثابتة من الصدق والأمانة تلقّاها في بيت الوالد المؤسّس. فهو كريم النفس، سمح من غير ضعف، رقيق رحيم بأهل بيته، يسلك معهم سبيل الحوار والإقناع واللين، لا سبيل الإكراه والقسوة، بروح من الأبوّة الحانية. لا يغفل شأناً من شؤون أسرته سواء أكان في حضر أو على سفر، فهو يتصل يومياً مطمئناً وسائلاً عن الأفراد واحداً واحداً، ومنبّهاً إلى متابعة شؤونهم، ولا سيما توجيههم إلى المحافظة على الصلاة وسائر تعاليم الدين وقيم الشريعة الإسلامية، وتوجيهه إلى محبة الوطن ومحبة الناس والتواضع والوسطية. وهو حريص على أي شاب سعودي حرصه على ولده، وعلى أي فتاة سعودية حرصه على ابنته. فلا يكاد يفرّق في فرحته عندما يشاهد برنامجاً ينقل مهرجاناً لأبنائه المواطنين، عن ابتسامته حين يرى أهل بيته وأبناءه في احتفالية خاصة لنجاح دراسي أو تفوّق علمي. فمنزله الذي تستقر فيه نفسه، وعرينه الذي يأوي إليه، هو الوطن. فلا شيء يشغله عن أهل بيته مثل قضايا الوطن والمواطن، فحين يحضر الوطن يغيب كل شيء.. قياماً بالمسؤولية وأداة للأمانة وابتغاء رضا الله من وراء ذلك. وأول أمره في ذلك استخارة الله عزّ وجل، يتبعها العمل بصلابة وعزيمة لا تتهيّب اتخاذ القرارات الحاسمة. فكل التطوّرات التي شهدتها مجالات التنمية الشاملة في المجتمع، من النواحي الاقتصادية والإعلامية والتربوية وسواها، إنما هي تعبير أمين وصادق عن حقيقة شخصية الملك الإنسان المخلص المتفاني من أجل أداء أمانته العظمى، متوكلاً على الله سبحانه وتعالى، وواثقاً في الرجال المخلصين حوله. وهو يحرص على أن يكون القرآن الكريم قائده في الأمور كلها، فلا يمكن أن يقدم على أمر يخالف كتاب الله مهما كان. وهو ما يوجّه إليه المحيطين به دوماً، تعلّماً وعملاً، إذ يرى أنّ نجاح أي عمل مرتبط بموافقته لكتاب الله تعالى. وله ورد يومي خاص مع كتاب ربه، والقرآن الكريم أول ما يحضر للمليك حين يكون على سفر، فهو لا يمل من معايشته والنّهل منه. وفي هذا الباب يرد أجمل وأهم جواب في هذه المقابلة، حين تقول سمو الأميرة عبارة تستحق أن تسطّر بماء الذهب الخالص وتوضع في صدور المجالس، إذ تقول: (لو أنّ أمراً يستدعي العجب لكان أمر من يعيش من دون كتاب الله هو العجب). حفظ الله مليكنا، وسمو الأميرة الدكتورة ملكة، وأدام عليهما نعم الصحة والتقوى ونفاذ البصيرة ومحبة الناس، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. - الرياض