من أجمل المواقف التي قرأت والتي دائما ما يستحضر ذهني مشهدها أمامي عندما يغلظ القول أوحتى يحتدم الفعل لأجل أمر، تلك التي تَصَدّى فيها رَجُلٌ لِهَارُوُنَ الرَّشِيِدِ فَقَالَ: إِنِّيِ أُرِيِدُ أَنْ أَنْصَحُكَ - وَأَغْلُظَ عَلَيْكَ فِيِ المَقَالِ- فَهَلْ أَنْتَ مُحْتَمِلٌ؟ فَقَالَ لَهُ هَارُوُن الرَشِيِدُ: لاَ. لأَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ - إِلَىَ مَنْ كَانَ شَرَّاً مِنِّيِ - وَأَمَرَهُ بِاللِّيِنِ. يَعْنِيِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أَمَرَ مُوُسى عَليْه السَّلام باللِّيِنِ مَعَ فِرْعَوْن وذلك جلي لكل معتبر في قوله عز وجل: { فَقُوُلاَ لَهُ قَوْلاً لَيَّنَاً}. كن عذبا إن من أصدق السمات الخلقية وأكثرها عذوبة «الرفق»لأنها ممزوجة بقوة الصبر ومغلفة بالرضا ونابعة من صفاء ونقاء ولهذا كان أصحابها الأقرب حظوة في النفوس والأكثر تأثيرا في العقول والأقدر منزلة في قلوب البشر ولدى مالكها. مرايا الرفق يتمثل الرفق ابتداء بك أن ترفق بذاتك عندما تنوي عملا فلا تتعجل أوتتهور بل تتأنى وتعزم الإتقان وتتوكل خطوة بخطوة حتى تنعم بالثمر وعند الخطأ أوالفشل- وجل من لا يقع فيهما- لا تهوى بفخ القهر وتتبعه بسياط الندم وتغلق عليك بحديث نفس بلا نفعيتك! بل تلزم الرفق وتجانب الغلظة بعيدا عن نفسك حتى لا تُكْرِّها وتدفعها لليأس أوتلزمها ديمومة الخطأ ! بل تقطف العبرة برفق البصير وتنهض وحينها حتما لن تخيب, والرفق ما أطيبه كذلك حينما يغمر من حولك ففي حديثك معهم حين الطلب أوالتوجيه أوالحوار عليك أن تختبره في ميزان الرفق قبل أن تنطقه فإن كنت ترضاه لنفسك وتستعذب مسمعه وتطيب به نفسك فاصدح به ولا تحجم وإن كان غير ذلك فعليك ببديله الحسن وإلا الزم الصمت حتى تتعلم وتجود بإحسانك, والرفق ما أسمى مكانته حين عمل الآخرون لديك من موظفين أوخدم فلا تدفعهم لما تراه وتستطيعه بدون أن تمرحل تدريبهم وتحفزهم بكلمات تعينهم كيلا يصعب عليهم وتضعف قدراتهم أمام مهامهم فيؤثرون الفرار وإن كانوا على قدر من الإتقان! ورقة الرفق الذي يكون مع حاجياتك الجامدة فلا ترمي بهذه وتلك هنا وهناك وتعود للبحث عنها بزمجرة يتعجب منها ذو الألباب أو تهمل الاعتناء بأغراضك فتشتكي عدم جدواها أوترمي باللوم على صانعها أوعدم اعتناء غيرك بها! ولطف الرفق يتجلى مع الحيوانات وهي التي لا تعقل لكننا نحن من تعلمنا جزاء عونها جنان ربنا وأوصانا قدوتنا بها كما قبلها فلا تُفْجَع ولا يُضَيَّقْ عليها وقد قال أنس رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُصْبَرَ البهائم (أي تحبس وتعذب وتقيد وترمي حتى الموت). وقود لحياتك إن أردت امتلاك الرفق والتنعم بمكانته العظمى دنيا وآخرة اسأل الله أن يعينك ومن ثم ليكن الرفق ردائك الذي يزين كل أقوالك وأفعالك بلا استثناء وخلال رحلة محاولاتك ارفق بحالك.. يقول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه). هدى بنت ناصر الفريح