صحيح أن ما يجري في سوريا يصعب عزله عما حدث في تونس ومن ثم مصر، وأيضاً ما يحدث في اليمن منذ أشهر عدة، وما يدور حالياً في ليبيا من حرب أهلية طاحنة؛ فالترابط بين هذه الأحداث وشعوبها يكمن في عدم قدرة القيادات السياسية في تلك الدول على تحقيق مطالب وحقوق شعوبها الإنسانية الأساسية التي تمكنها من العيش بكرامة، كما لم تحرص على فرض العدالة السياسية والقانونية التي لا تميز ولا تفاضل فيما بينهم، ولم تضرب الفساد بيد من حديد كي لا يعم الظلم وتستشري الأمراض الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلاد. معظم الأنظمة السياسية تلك تغاضت عن حقوق مواطنيها الأساسية فهمشتهم، وأهملت توفير متطلباتهم المعيشية الأساسية فخنقتهم، وتراخت في تطبيق العدالة فظلمتهم، بل إن معظم تلك الحكومات فشلت في تقديم الوظائف الأساسية التي يتوجب عليها توفيرها لشعوبها، وهي الأمن والحماية والعدالة. نعم إن القاعدة وليس الاستثناء تؤكد أن الحكومة هي الجهة المسؤولة عن إدارة شؤون الدولة بمواطنيها ومن يقيم على إقليمها الجغرافي، كما أنها المرجعية الرئيسية المسؤولة كلية عن تحقيق أهدافهم ومصالحهم وحمايتهم والدفاع عنهم من مخاطر الداخل وعدوان الخارج وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار لهم. هذه وظائف استراتيجية من وظائف حكومة الدولة الأساسية المفروضة عليها بحكم الحقوق السياسية والأمنية، وبحكم المنطق السياسي، وبحكم المصالح الإنسانية. وهذا تواصل وثيق للعقد الأساسي المبرم بين المواطنين وحكومتهم ودولتهم منذ بداية عهد وثيقة «الماجنا كارتا» الشهيرة (الوثيقة التي ألغت عهود الحكم الديكتاتوري الفردي المطلق) حتى اليوم. لكن أن توجه الدولة قواتها وآلتها الأمنية وجزء من جيشها لضرب المدنيين الأبرياء وقتلهم، وأن تجند إمكانياتها وطاقاتها الأمنية والعسكرية كافة لقمع شعبها ولإراقة دماء مواطنيها، فهذا واقع لا يقبله منطق سياسي أو قانوني عاقل، ولا تتقبله أريحية إنسانية متمدنة، ولا تؤمن به قريحة إنسان واع في أي مكان في العالم. لا مغالاة إذن في القول إن تحرك المجتمع الإقليمي والدولي لمطالبة الحكومة السورية بضرورة وقف العنف ضد المدنيين فوراً جاء نتيجة لفشل النظام السوري في القيام بوظائفه الأساسية لمواطنيه. الانتقادات الإقليمية والدولية المباشرة لسياسات الحكومة السورية تجاه مواطنيها بدأت تتحرك بشكل تدريجي بل تواصلت حركتها بشكل تصعيدي. نعم في بداياتها كانت حركة سياسية واقتصادية دولية بطيئة لا يمكن أن تثني النظام السوري عن مواصلة سياساته القمعية ضد المواطنين السوريين. السبب بالطبع يعود للموقف الروسي والصيني الحميم والصديق للنظام السوري في مجلس الأمن الدولي؛ فهو الموقف الذي يشل مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ أية إجراءات صارمة ضد النظام السوري. نعم إنها المصالح الثنائية الاستراتيجية الاقتصادية والعسكرية بين النظام السوري وروسيا الاتحادية التي بموجبها يواصل النظام السوري قتله وقمعه وتشريده لشعبه. تبعاً لذلك فإن مواصلة الحكومة السورية سياسات القمع والتنكيل ضد مواطنيها تؤكد أن تلك المطالب والانتقادات الدولية لا تردع ناهيكم عن أن تمنع النظام السوري من مواصلة ممارسة العنف الأمني الموجَّه ضد المواطنين السوريين، ذلك العنف الذي لا يفرق ولا يميز بين طفل صغير أو رجل كبير؛ ما نتج منه قتل وجرح الآلاف من المواطنين السوريين على أيدي قوات الأمن والجيش السوري. نعم حتى تركيا الجارة القريبة من سوريا التي تحركت دبلوماسياً لوقف العنف الموجَّه ضد الشعب السوري من قِبل حكومته لم تتمكن لأسباب مختلفة، ولعوامل داخلية، من حمل النظام السوري على وقف سياسة العنف والقمع. الخطاب التركي لم يحمل في طياته رسائل صارمة قوية اللهجة يحسب لها النظام السوري ألف حساب. لا مبالغة في القول إذن إنها الأخلاق العربية الإسلامية الأصيلة بل هي الأخلاق الإنسانية العظيمة التي دفعت خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لإشهار خطابه التاريخي الموجَّه للحكومة السورية، مؤكداً فيه أن ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة، ودعا فيه إلى إيقاف آلة القتل وإراقة الدماء. الموقف السعودي بدأ باستدعاء السفير السعودي من دمشق، وليس من المستبعد أن تصعّد المملكة من سياساتها ضد النظام السوري فيما لو لم يقرأ الرسالة السعودية جيداً.