ابتداءً يجب أن نعلم أن «المهايط» في نقل الأخبار أو تصوير المقارنات بين الشعوب والثقافات ليس بدعاً على هذا الزمن، فقد جاء تعريف «الهياط والمهايطة» في لسان العرب لابن منظور على أنه «الصياح والجلبة»، أي رفع الصوت وشدة النقد وتصوير الشيء بغير ما هو، ويعد «جرير» باعترافه من أكبر «مهايطي» العرب، بمدحه لأبيه وكرمه، رغم أنه كان يشرب من «ضرع العنزة» ولا يحلبها حتى لا يسمعه الجيران ويطلبوه «حليبها»! لا يختلف اثنان اليوم على أن الإعلامي «أحمد الشقيري»، نجح في صنع فلسفة خاصة له عبر تقديم مقارنات بين مجتمعنا «المحلي» المسلم وبعض المجتمعات الشرقية أو الغربية المسلمة أو الكافرة، ونجح أيضاً في كسب قلوب المشاهدين ببرنامجه خواطر الذي امتد لجزئه السابع هذا العام. إلا أن زيادة جرعة «المهايط «في المدح والنقد جعله على ما يبدو في مرمى «سهام» و»بنقات» الشباب هذه الأيام، الذين أمطروه بانتقادات لاذعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت فلا تكاد «تمر» ساعة دون أن تصلك «رسالة» أو «بينق» يحوي انتقاداً أو نكتة حول «الشقيري» ومقارنته بيننا وبين الشعوب الأخرى التي يحوي بعضها «اضمحلالاً فكرياً»ولكنه غاب عن مقارنة «الشقيري» الذي لا يُرينا إلا «أفضل» ما لديهم ويقارنه «بأسوأ» ما لدينا وهذه من صور»المهايط المقيتة»! النقد الذي يطال «الشقيري «هذه الأيام من شباب «البلاك بيري» و»التويتر والفيس بوك» قد يكون نتاج «ملامسته» ببراعة لجروح غائرة في المجتمع وشبابه خصوصاً، وهو ما لا تطيقه النفوس ولا تحبه، وقد يكون نتاج «المهايطة» بمدح الآخرين مدحاً مملاً، وتقريع الذات ومقارنتنا بمجتمعات أخرى لها ظروفها وحياتها بغير إنصاف وبمبالغة، أقصد الدعوة للمثالية الزائدة! عموماً.. تبقى «بنقات» الشباب اللاذعة تعكس وجهات نظرهم في رفض أن «يتاجر» أحد بثقافة مجتمعهم عبر السياحة في مجتمعات أخرى وكسب المال، ليتجر لاحقاً عن طريق «التنظير». ومن المفارقات العجيبة أن ال»ب ن ق» يعني في معجم الكلمات الدخيلة في لغتنا الدارجة للشيخ محمد العبودي وفي باب الباء تحديداً، الشخص الثري، وأكثر ما يُقال ذلك في التاجر الذي ربحت تجارته فلان «بنق» من «البنوق»، أي يعد تاجراً من التجار الأثرياء..! نجاح الشقيري في خواطره السابقة كان بسبب «شحذه» للتطوير والتنمية الفكرية لدى المشاهد عبر تقديم نماذج لمجتمعات ناجحة ومنظمة يستطيع من خلالها المشاهد بنفسه دون «هياط في وصفها» إزالة الحجج والأعذار التي تحول دون تعلّمه واستفادته منها ومن تجاربها.. وغير ذلك من «أساليب» المقارنة بين الثقافات والشعوب سيكون حتماً مصدراً للمزيد من «البنقات الشبابية» القادمة. وعلى دروب الخير نلتقي.