المتابع لما يحدث في الآونة الأخيرة من تأثير سلبي في نمو الاقتصاد العالمي وأسعار البترول نتيجة لتضخم وتفاقم مشكلة الديون لدى بعض دول الاتحاد الأوروبي وبالأخص البرتغال واليونان وإيرلندا وإيطاليا وتفاقم مشكلة العجز في ميزانية الولاياتالمتحدةالأمريكية (التي تعتبر أضخم اقتصاد عالمي) وتبعات خفض التصنيف الائتماني لأمريكا يجد تكون معادلة عكسية بين أسعار البترول والنمو الاقتصادي العالمي ووجود معادلة طردية في نفس الوقت بين أسعار البترول وقوة الدولار وتوفر سيولة نقدية لعملة الدولار تساعد على استمرار عملية الاستثمارات الدولية في السندات الأمريكية خاصة من قبل الدول الرئيسية المصدرة للبترول (دول الخليج العربي) والدول الاقتصادية الرئيسية وخاصة الصين. والسؤال الذي يطرح نفسه لدى الكثير من الاقتصاديين هو: هل ارتفاع أسعار البترول يصب في مصلحة أمريكا وخروجها من مأزق توفر سيولة خارجية عن طريق استمرار الدول والمؤسسات في الاستثمار في السندات الأمريكية كما يصب في مصلحة الدول المصدرة للبترول؟ أم أن أمريكا كما قال ألان قرينسبان -الرئيس السابق للبنك الاحتياطي الأمريكي الفدرالي- تستطيع مواصلة عملية طباعة الدولار سواء مع استمر توفر الدولار واستمرار استثمارات السندات الأمريكية أم لا. يقول قرينسبان إن ما حدث مؤخراً ليست قضية تصنيف ائتماني لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية تستطيع دفع أي دين عليها في أي وقت لأنها تستطيع دائما وببساطة طباعة المال. طبعاً لم يذكر قرينسبان تبعات ذلك على استمرار ضعف الدولار ومواصلة ارتفاع أسعار البترول, أو انخفاض اقتصاد أمريكا الذي بدوره سوف يحد من نمو الاقتصاد العالمي مما قد يؤدي إلى انخفاض حاد جداً في أسعار البترول. المتابع لما حدث في الأسبوع الماضي يجد التأثير السلبي قصير المدى لخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدةالأمريكية بحيث سبب انخفاض حاد في أسعار البترول وانخفاض حاد في أسواق الأسهم العالمية وبالأخص أسواق الأسهم الأمريكية التي شهدت أعلى انخفاض لها في ثلاث السنوات الماضية مع استمرار انخفاض القوة الشرائية للدولار حيث بدأ الكثير من المستثمرين بفقد الثقة في الدولار. ذكرت بعض التقارير الاقتصادية أيضاً التأثير السلبي للحرب في ليبيا والأزمة النووية لليابان التي أدت إلى ارتفاع أسعار الذهب التي عادة يكون لها تأثيراً عكسياً على قوة الدولار. المعروف أن الذهب -تقريباً- تضاعف سعره منذ 2009م مع توقعات استمرار صعود سعره على المدى القصير إذا ما استمر الدولار في فقد قوته, فالعلاقة بين الذهب والدولار دائما ما تكون عكسية. فهل سوف يستمر الدولار في فقد قوته؟ وهل سوف تستطيع أمريكا الوقوف مجدداً والعمل على خفض العجز في ميزانيتها على المدى البعيد؟ أعتقد أن أمريكا بقوة اقتصادها قادرة على ذلك في فترة زمنية أقل من 10 سنوات بشرط عدم دخول أمريكا في حرب جديدة واستمرار خفض تكاليف العمليات العسكرية المكلفة جداً في أفغانستان والعراق, والأهم من ذلك خروج الساسة من هذه العملية خاصة في السنوات القليلة القادمة التي سوف تشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. تعتبر هذه الشروط الثلاثة التحدي الأكبر لأمريكا في العشر السنوات القادمة, فهل تستطيع أمريكا على تحقيقها جميعاً؟ أما أسعار البترول فأتوقع استمرار انخفاضها على المدى القصير إلا أن يتجاوز العالم الفترة السلبية -النفسية- التي سببها خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدةالأمريكية التي أتمنى أن لا تستمر أكثر من شهر مع احتمال رجوع الأسعار لمعدلاتها المرتفعة نوعاً ما (فوق ال 100 دولار للبرميل لخام برنت) مع نهاية العام.