إقامة صلاة القيام في أول ليلة من العشر الأواخر بالمسجد النبوي    إقامة صلاتي التراويح والتهجد في أول ليلة من العشر الأواخر بالمسجد الحرام    محافظ الطائف يستقبل رئيس وأعضاء جمعية أدبي الطائف    جندلة بطلا لبطولة تنمية الشقيق الرمضانية    محافظ الرس يرعى "رمضانيات" لنادي الرس الرياضي لذوي الإعاقة    سلمان بن سلطان يدشّن المركز الكشفي للمهارات والهوايات الطلابية    تصنيف مقدِّمي خدمات النقل الجوي والمطارات لشهر فبراير    رينارد: نحتاج لاستغلال الفرص    حرب السياسة    "أيمن تازي" مديراً للمنتخب الأول للكرة الطائرة    السعودية تعود للانتصارات بالفوز على الصين    قطر تحيي أمالها في تصفيات كأس العالم بالفوز على كوريا الشمالية    الذكاء الاصطناعي وتحدي سعادة البشر    الذكاء الاصطناعي والحرب النووية: هل يمكن أن يصبح القرار بيد الآلة    الجوازات تستقبل (693) طالبًا في دورة الفرد الأساسي ال (48)    المملكة توزّع سلالًا غذائية بمختلف محافظات سوريا    ترمب يوقع أمراً تنفيذياً لإغلاق وزارة التعليم بأميركا    الأخضر السعودي يتغلّب على الصين ويجدّد آمال التأهل لمونديال 2026    حسن كادش يغادر لقاء الأخضر والصين مصابًا    مخيّم التفطير الدعوي لجمعية الدعوة بالصناعية القديمة يواصل عطاءه حتى ال 20 من رمضان 1446ه ،واستفادة أكثر من (18,443 صائمًا)    «الصحة» تقيم النسخة الخامسة من «امش 30» في المسار الرياضي    مستشفيات وعيادات دلّه تعلن عن مواعيد العمل خلال أيام عيد الفطر المبارك    مستشفى الإمام عبدالرحمن الفيصل يطلق حملة "صم بصحة" لتعزيز الوقاية خلال رمضان    البحرين ترحب بالجهود الدبلوماسية السعودية لإنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية    قطاع خميس مشيط الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات في ممشى الراقي    فريق جمعية أضواء الخير التطوعي يواصل جهوده في الحرم المكي خلال شهر رمضان    العمارة السعودية.. تنوّع ثري وهوية متجذّرة    الكشافة السعودية إنسانية بلا حدود في خدمة ضيوف الرحمن    ثماني سنوات من الطموح والإنجاز ذكرى البيعة لولي العهد محمد بن سلمان    جامعة أم القرى تستقبل القنصل لبوركينا فاسو لبحث التعاون الأكاديمي    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تناقش السياحة الثقافية وتستعرض إنجازاتها    أسواق الذهب تشهد إقبالًا.. والمشغولات الناعمة الأكثر طلبًا    روائع العمارة الإسلامية في أماكن غير متوقعة.. مساجد تبهر العالم    رئيس الوزراء الباكستاني يصل إلى المدينة المنورة    "النقل" تشدد على اشتراطات نقل البضائع لضمان السلامة والكفاءة    نائب وزير التجارة تشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمتها بالمرتبة الممتازة    2062 ريالا أعلى متوسط إنفاق للسياحة بالأحساء    27% من تداولات الأسهم للمستثمرين الأجانب    سمو ⁧‫ولي العهد‬⁩ يستقبل أصحاب السمو أمراء المناطق بمناسبة اجتماعهم السنوي الثاني والثلاثين    سحور عواجي يجمع أهل الفن والثقافة    5 مدن استثمارية لإنتاج البن والتين    مركز الملك سلمان يوزع سلالًا غذائية بسوريا وطاجيكستان    ضبط 4 مخالفين لتهريبهم 80 كيلوجرامًا من نبات القات    ولي العهد والرئيس الفرنسي يبحثان هاتفيًا تطورات الأحداث في المنطقة    هدية من "مجمع الملك فهد".. مصاحف بطريقة برايل للمكفوفين ب"أريانة"    السعودية تدين استهداف موكب الرئيس الصومالي    دخل رسميًا أولى مراحل المجاعة .. القطاع بين الموت والجوع.. المساعدات سلاح بيد إسرائيل    معادلة جديدة للاحتلال ومعاناة المدنيين غير مسبوقة.. غزة تحت النار.. تكتيك التفاوض بالدم    موجز    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوأم الطفيلي المصري إلى الرياض    مستشار خادم الحرمين يزور المعرض الرمضاني الأول بمدينة الرياض    نائب أمير جازان يقلّد مساعد قائد حرس الحدود بالمنطقة رتبته الجديدة    كيف أفسد ترمب صفقة المقاتلات على الولايات المتحدة    ‏⁧‫#نائب_أمير_منطقة_جازان‬⁩ يستقبل مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بجازان المعيَّن حديثًا    7800 مستفيد من المناشط الدعوية بمسجد قباء    "الحياة الفطرية": لا صحة لإطلاق ذئاب عربية في شقراء    رأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق.. وزير الداخلية: التوجيهات الكريمة تقضي بحفظ الأمن وتيسير أمور المواطنين والمقيمين والزائرين    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في ديوان: (نسيان يستيقظ) للشاعر عبد الله بن سليم الرشيد
تقليب الجمر بأصابع اللغة الأنيقة (4)

4 - بين سحر الحرف وكيمياء الإبداع.. قراءة شعرية في كفّ القصيدة
1-4 إضاءة:
« كيف تُولَد فيك القصيدةُ؟
قل لي.. أباً عاشقاً ساحراً
مستكيناً أمام حريق الجذوعْ / عبد الله الوشمي
2-4 تنوير:
«... كان ذاك المشهدُ العاصفُ
............. ميلادَ قصيدهْ «
أوراد العشب النبيل -17
3-4 بيان:
لو أردتَ أن تميّز الشاعر عبد الله الرشيد عن كثير من الشعراء السعوديين المعاصرين فيكفي أن تقول: إنه شاعر التجربة الشعرية بامتياز؛ سواء من حيث العدد الكبير من قصائده المفرَدة خصّيصاً لوصف التجربة الشعرية بكلّ مراحلها وملابساتها، أو من حيث المستوى الفني العالي الذي وصل إليه هذا الموضوع الشعري على يديه؛ هذا مع تجديده المستمر في عرض لوحاته الواصفة لهذه العلاقة المتقلِّبة بين الشاعر والقصيدة. وفي هذا الموضوع بالذات لا نستطيع فصل القصائد الواصفة الواردة في الديوان الأخير عن بقية القصائد الواصفة الواردة في دواوينه السابقة؛ ذلك لأنها تُكوّن بمجموعها وحدة سردية مترابطة فيما بينها.
أول ما يلفت النظر في هذه القصائد الواصفة هو أنها تقودك إلى الاعتقاد بأن العلاقة بين الشاعر وقصيدته أقرب ما تكون إلى علاقة عشق متجذِّرة بين محبّ ومحبوبة، فالشاعر - كالعاشق تماماً - يحاول أن يُحدِّد بعد صدمة اللقاء الأول طبيعة هذه المحبوبة وسرّ جاذبيتها الطاغية متلدِّداً وسط التّيه الذي قذفتْه إليه، ومتحرّقاً - وهو يلتقط أنفاسه اللاهثة وراءها - للوصول إلى أجوبة شافية على أسئلته المتوالدة بلا انتهاء، يقول في ديوانه: أوراد العشب النبيل تحت عنوان: أترنّم بك ولكنْ مَن أنت؟ مخاطباً الشعر، وهو الاسم المذكّر للقصيدة:
أترى تلك العصابهْ؟
لستَ منها
أنتَ إكسير جمالٍ
أنتَ دستور صبابهْ
أنتَ هذا الشجر المرهف.. لا.. بل أنتَ غابهْ
لستَ غابهْ
إنها مدُّ الأساطير ومِقداح الكآبهْ
أنتَ نايٌ سُلّ منها.. فيغنّي ويُعنّي ويُسيل الروح بَوحا
لستَ نايا
إنه - مهما يكن - عودٌ فهل أدعوكَ جمرا؟!
لستَ جمرا
أنتَ نارٌ رقّصتْ أكتافها في القُرِّ
لمّا قاسمتْها متعةَ الليل ربابهْ
أنتَ نارٌ؟!
لستَ نارا.. إنها أمّ الرمادْ
أيّ نعتٍ هو مُوفيك من الصدقِ لُبابهْ؟
أنتَ نجمٌ؟ !
لستَ نجماً
أنتَ أفْق النجمِ.. أفْقُ الأفْقِ..
ماذا بعدُ؟.. لا أدري.. ويا لي
لم يزلْ عندي من الشعر صُبابهْ
كلَّ موّالُ افتكاري
سأظلّ العمرَ أُبدي وأُعيد القول في هذي الكتابهْ
وبينما ينغمس الشاعر العاشق في جمالية الحيرة بين الإثبات والنفي لتحديد كينونة هذا الشعر تقوده هذه الحيرة إلى البحث في أوراقه القديمة عن « بطاقة شعرية « منسيّة تحدّد له بعض ملامح هذه الكينونة، بقول في ديوانه: خاتمة البروق:
شعري الذي ينحته القلبُ ويرويه الفمُ
لزومُ ما لا يلزمُ
وركضُ حرفٍ خضّبتْه لوعةٌ سكرى
وسحرٌ أبكمُ
أمّا « مواقيت « هذا الكائن الجميل ومواعيد إطلالته الساحرة فما يزال شاعرنا في ارتقابها مبعثرَ الخواطر على الشرفة ذاتها التي شهدتْ أول لقاء، يقول في ديوانه: نسيان يستيقظ:
إني هنا لم أزلْ أشلاءَ قافيةٍ
منه تفيض على أوقاته شجنا
إني هنا يا لأشذاء مُمَوسَقةٍ
أيعرف الشعر أني ما أزال هنا
وبعد خيبة الانتظار الطويل يتساءل الشاعر في « فراغه المخملي « كيف يُكفكِف من غُلَواء هذا التمنّع والدلال، وتتفتّق حيلته عن طُرُق جديدة لاستدراج هذا العطر الأنثوي، يقول في ديوانه: نسيان يستيقظ:
انفُضْ مَزاودك الغبراءَ إنّ بها
وجْداً إليك كوجدِ العاشق السرَوي
... عطْرُ القصيدة تُغليه أنوثتُها
ميّاسةً تتشهّى نبضَك الشدَوي
... أغْوِ القصيدةَ واستنفِرْ تمرّدها
فالشعر غَيٌّ ولا يُصبيكَ مثلُ غَوِي
وإذا سألتَ عن وسائل الإغواء عند هذا العاشق المحترف فإن « تهويماته في بلاط الشعر « تكشف لك عن بعض المخبوء منها، يقول في ديوانه: خاتمة البروق:
مولايَ هذا الشعر في
تطلابه أبداً أسيحُ
إني أُسارِقهُ اللحاظَ فإنْ تنبّهَ لي.. أُشيحُ
وأُعالج الكلماتِ كيما يُولَد الشعر الفصيحُ
بقصيدةٍ لدلالها
في القلبِ مُضْطَجَعٌ مليحُ
كما يكشف لك «عبث الذاكرة» عنده عن قواعد وأصول مهمة في كيفية استدراج الصيد الجامح، يقول في ديوانه: خاتمة البروق:
وأقتنِصُ الفِكَر الشارداتِ
وهنّ أمامي المَهَا النافِرهْ
وأشتدّ عَدْواً فيفلتُ حرفٌ
له مِن دمي روضةٌ ناضرهْ
ويشمخُ يستمطِر المعصراتِ
فتهْتزّ مِن وَبْلها الساهرهْ
وحين تستجيب المحبوبة المدلّلة لرجاء العاشق وتُقبل أخيراً عليه؛ فإنه لا يمكن التنبؤ بطبيعة هذه الاستجابة ومداها، فمخاض العلاقة المتوتّرة بينهما يتأرجح دائماً بين غيابٍ يُجهِض أمل اللقيا، وحضورٍ يُنعش الروح فتولَد فيها الآمال من جديد. فمِن يوميات الغياب المدوَّنة في دفتر الذِّكرى يوميّة تحت عنوان: للقصيدة أعراسٌ مؤجَّلة في ديوان: أوراد العشب النبيل:
كانت الساعة الواحدهْ
حينما التهبَ الحرفُ في إصبعي
وتلظّتْ به ريشةٌ واعدهْ
كلُّ شيءٍ حواليّ يستنفر الشعر:
وجهٌ تكوّم في الأفْق..
مِئذنةٌ.. نسمةٌ باردهْ
كلُّ شيءٍ حواليّ يستمطر الغيمةَ الخالدهْ
... قلتُ والقلمُ المستفَزّ يُراوده الشعرُ: هذا زماني
وسوف أُضمِّخ بالمجد قامته الماجدهْ
... قلتُ: ها أنذا موغِلاً في احتراقي..
أفتِّش في منجم النار عن لغةٍ شاردهْ
... قلتُ: ها....
)))
كان وجهُ القصيدة مضطرِماً بالبكاءِ
لأنّ الغمامةَ كانت على عجْزها شاهدهْ
كانت الساعة الواحدهْ
حينما خمد الحرفُ في إصبعي
وترنّحت الريشةُ الراعدهْ
وتبقى أخيراً الحكاية الآسرة التي تقصّ « حديث ليلة عاصفة «، وتسرد أحداثها المثيرة أوضحَ شاهد على ما تصنع القصيدة في عاشقها من تولّه وانجذاب يُقضّان عليه مضجعه، ويُزلزلان - في السكون - كيانه، وتتضمّن الحكاية وصفاً تفصيلياً مبهِراً لمراحل الجيشان الشعري في نفس الشاعر حتى ولادة القصيدة، يقول في ديوانه: أوراد العشب النبيل:
حدّثتْني الشمسُ: أنّ البدرَ دقّ البابَ في الفجرِ ونادى
ثم نادى
لم يُجبْه أحدٌ من داخل البيت فولّى ثم عادا
طرق البابَ ونادى
وتولّى.. لم ينلْ منكَ مُرادا
لفّني صمتي..
ومن حوليَ إيماءُ حقولٍ
واشتعالاتُ ارتيابِ
فتلفّتُ.. فألفيتُ أكاليلَ ضياءٍ فوق بابي
وإذا حبّاتُ عطرٍ تتندّى كالربابِ
فخَبَأتُ الضوءَ في صدري..
ومسّحتُ بذاك العطرِ قلبي وإهابي
ومضى اليومُ وأنساني الذي كانَ..
زِحامُ الوقت من شوقٍ وت َوقٍ واكتئابِ
حين جَنّ الليلُ مارتْ في دمي أشياءُ لم ترحم شبابي
أنكرتْ نفسيَ نفسي
واعتراني كالضبابِ
وإذا كفٌّ شديدهْ
عصفتْ بالمضجع الوادع رعناء عنيدهْ
وإذا جسميَ واهٍ
كستِ الرعشةُ جِيدهْ
وإذا الجدران من حوليَ أشباحٌ مخيفاتٌ بليدهْ
وإذا شيءٌ غريبُ الكُنْهِ في قلبي وأصواتٌ بعيدهْ
وإذا قطعةُ ذاك الضوءِ في الثغر قعيدهْ
وإذا القلبُ انتفاضٌ
وصراعٌ في صراعِ
وإذا حبّاتُ ذاك العطرِ رشْحٌ في يراعي
فسرتْ روحٌ سعيدهْ
مازجتْ في رَوح هذا الليلِ أرواحاً جديدهْ
كان ذاك المشهدُ العاصفُ..
............. مِيلادَ قصيدهْ
وبعد.. فقد أظهرتْ هذه القصائد الواصفة للشاعر مدى احتفائه بالقصيدة: قارئاً لكفّها وراصداً لأنفاسها وخلَجاتها في طقوسٍ أشبه ما تكون بطقوس العاشق المشغوف، وإنّ مراجعة سريعة للمعجم الشعري الذي يسود هذه القصائد الواصفة ستُظهِر بلا ريب مدى اكتناز هذا المعجم بألفاظ العشق والتعلّق والامتزاج والوصف الحالِم، وهي الألفاظ والتعبيرات التي تُوجَّه عادةً للمرأة، ولك أن تعود بالذات إلى قصيدتَي: معي، وديواني الباكي في ديوانه الأخير لتضبط الشاعر متلبّساً بهذه التهمة ! فإذا أضفتَ إلى هذا أنّ قصائد الشاعر الغزلية دون المستوى المأمول: عدداً وجودة؛ فقد تصل من هذا وذاك إلى استنتاجٍ يستحق التأمّل، وهو: أنّ القصيدة قد أضحتْ عند الشاعر « معادلاً موضوعياً « للمرأة، وهي المسألة التي ستكون مثارَ بحث مستقلّ في الفقرة الخاصة بالغزل عند الشاعر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.