برغم رحيل الشاعر الكبير حمزة شحاتة عام (1390ه) إلا أن هذا الشاعر بقي نبعاً لكثير من الدراسات التي تناولت تجربته الشعرية من أكثر من منظور واتجاه. فقد كتب عنه كل من الأساتذة عزيز ضياء ومحمد علي مغربي وعبدالله الغذامي وعبدالفتاح أبو مدين ومحمد صالح باخطمة وغيرهم من الباحثين، وقد اعتمدت هذه الأصوات الأدبية والنقدية التي تناولته على بعض من أشعاره التي استطاعوا أن يقفوا عندها، ذلك أن ديوانه لم يصدر إلا بعد وفاته بعشرة أعوام، بل لم يكن يحمل كل انتاجه الشعري وذلك على يد جامعيه وهم: عزيز ضياء، وعبدالمجيد شبكشي، وبكري الشيخ أمين، وقد أعاد النادي طباعة هذه الأشعار قبل سنوات بمقدمة لنفس (1427ه) وصدرت عن نادي جدة الأدبي. واليوم يوفق الباحث الدكتور غازي عبداللطيف جمجوم بجمع ما تبقى من أشعار حمزة شحاتة، ويخرجها تحت عنوان (قصائد لم تنشر للشاعر حمزة شحاتة)، وقد وصلت إلى يد الجامع الدكتور جمجوم بواسطة أقارب الشاعر وأصدقائه، فاعتمد على جملة من قصائد هذا الديوان على ما وجده عند والده وعمه، لكونهما من أصفياء الشاعر وقناعتهما بتجربة حمزة شحاتة الشعرية. يقول الدكتور جمجوم في مقدمته للديوان: كانت مهمتي في هذا العمل هي جمع كل ما عثرت عليه، وليس موجوداً بالديوان ونشره حفاظاً عليه من الضياع، وأملي أن يساعد هذا الكتاب على اصدار طبعة جديدة من ديوان حمزة شحاتة، تكون أوفى من الطباعات السابقة، وقد ادرجت معاني الكلمات التي وجدت صعوبة في فهمها وكذلك ادراج شرح مختصر لمساعدة القراء على فهم أشعاره. هذا ولم يفت الجامع الدكتور غازي جمجوم من أخذ موافقة بنات الشاعر حمزة شحاتة، وزوجي ابنتيه الفنان ضياء عزيز ضياء والأستاذ غازي عبدالمجيد. الديوان ضم جمهرة من غرر حمزة شحاتة الشعرية، التي لم يسع إلى جمعها أو نشرها، وقد تنوعت بين أبيات وقصائد ومطولات ومنها: قصيدة «يا ليل ما ذكراك» وقد جاءت في أكثر من مئة وخمسين بيتاً، وكذلك قصيدة «مهاجر يعود» التي كتبت على طراز التفعيلة، ومن روائع شحاتة في هذا الديوان قصيدة، «أبثك وجدي يا حمام» التي يقول في مطلعها: أبثك وجدي يا حمام وأودع فإنك دون الطير السر موضع وأنت معين العاشقين على الهوى تئن فنصغي أو تحن فنسمع أراك يمانياً ومصر خميلتي كلانا غريب نازح الدار موجع وحمل الديوان أيضاً قصيدة مطولة بعنوان: «الدرب القديم» ومنها: يا أرث خير الأمهات يعود في خير البنات لم تخب نارك في العروق ولا ضياؤك في السمات لا لن تدين جذورك الخضر الخوالد للممات ستثق تربتك العصية في الصخور العاتيات وسترتوي بدم الضحايا في الأباطح والسراة ومن القصائد ذات الطابع الفلسفي قصيدة «ك - م» الذي يصف فيها الشاعر طغيان المادة على حساب مشاعر الإنسان ومنها: ما للغريب على شطبك ملتمس إلا السلامة من ذئب ومن ريم لسان حالك في مسراك منطلقاً إلى الفجيعة في أبنائك الهيم علام أرحم ذا ضيق بمحنته ولست في زحمة الدنيا بمرحوم ويثبت الجامع أن قصيدة «مالي أراها» التي تغنى بها كبار المطربين السعوديين ونالت شهرة كبيرة هي من عيون شعر شحاتة: مالي أراها لا ترد سلامي هل حرمت عند اللقاء كلامي أم ذاك شأن الغير يبدين الجفا وفؤادهن من الصبابة دامي يا قلب ويحك إن من عُلقتها رأت الوفا في الحب غير لزامي هي لا تبادلك الغرام فناجني لم أنت في أحضانها مترامي ولم يخل ديوان شحاتة من شعر الإخوانيات فهذه قصيدة يهديها إلى صديقه الشاعر حسين سرحان يبثه فيها أشواقه ويذكره بالأيام الجميلة بمكة المكرمة: أخا «بلكم» ماذا ادخرت لبلكم سوى نزوات الساخط المتبرم مضى بالمنى قوم لديه وبالهوى وبؤت بحظ القانع المتقمقم هناك: وراء الستر تضطلع المهى بأعبائها من كل بكر وأيم إلى أن يقول: هو العيش لاسالي هواه بمؤثر عفافاً ولا عاني هواه بمجرم كلا اثنيهما ظام على اليأس والرجا تساوى مشيح - فاض يأساً - بمغرم ومن القصائد التي حملها الديوان قصيدة «ماذا تقول شجرة لأختها» التي كانت تمثل سخط الشاعر وتبرمه مما حاق به من ظروف عصيبة: أكذا نحن - حيث نحن - مقيمان على الخسف ليس نرجو فكاكاً كأسيرين، لا نريم، ولا نملك سعياً، والكون فاض حراكا ترسل الشمس حرها، فوق رأسينا، سياطاً والريح طعنا دراكا وتعيث الطيور فينا - على ضعف قواها - ضراوة وانتهاكا لا الأديم المبسوط، فيه لنا فسحة خطو، ولا بلغنا السماكا وأرانا - وعمرنا نهبة العجز - سنقضي كما حيينا، ركاكا أفهذا لأننا ننكر العيش علابا، ونجتويه عراكا. وعلى هذا المنوال يمضي الديوان حاملاً بين دفتيه جوانب من نفسية الشاعر ورؤاه وتأملاته في المجتمع والحياة تشكلت براعم شعرية تارة وحمم بركانية تارة أخرى لذا كانت معظم قصائده نمطاً فريداً من الشعر العربي الرفيع.