بالأمس بينت كيف أن الشيخ أكد بشدة عدم معرفته بمن لا يقول بربوية الفلوس من المعاصرين مخفياً كل ما يعرف عن ذلك كما أخفى كل ما يعرفه عن طرحي الذي عجز الشيخ شرعاً وعقلاً ومصلحة أن يرد عليه، فالشيخ بلا شك متبع منهج من سبقه في هذا وهو إصدار الحكم بالربوية أولاً ثم محاولة نقض كل من يخالف الحكم فإن عجز شرعاً وعقلاً، لجأ إلى ما يلجأ إليه الآن من التخفية والتورية والإنكار فإن كان هذا مناسباً بمن يقول إنه ينتصر لله لا لنفسه فالحمد الله على كل حال. ثم جاء الشيخ بالأمر الثالث في مقابلته في برنامج في قناة المجد (25-5-1432)، وذلك عندما سُئل عن ربوية الفلوس المعاصرة فلم يكتف بأن أتى باسمي فلم يعدل معي، ولم يصدق مع المشاهد لا من ناحية إخفائه للأدلة ولا من ناحية إنكاره للحقائق، بل لجأ إلى تضييع المسألة بتحويل السؤال الذي كان عن ربوية الفلوس إلى موضوع الديون رغم أن موضوع الديون هو الذي كان يجب أن يتجنبه الشيخ لو كان حقاً ما أرسله لي محتجاً بمحدودية البرنامج عن اختزاله للحقائق والأدلة، فالديون باب آخر وكان من الأحرى بالشيخ أن لا يأتي بها إطلاقاً لأنه هو بنفسه - فضلاً عن المشاهد - يخلط بين الديون والقرض والربا فيهما، بدليل أن الشيخ كان يعتقد أن علة القرض هي الربا! حتى نبهته إلى عظم خطأ ذلك أصولياً فصمت. ومن نقاشي مع الشيخ تبيَّن لي سبب صمته، فالشيخ كما ظهر لي ضعيف جداً في الأصول، فهو قد يكون فقيهاً يجمع بين الأقوال وهذا ما يفعله في صناعته. (فصناعة الصيرفة المسماة بالإسلامية هي بحث عن المخارج في سقطات الفقهاء والتحايل على الأدلة)، ولكن الشيخ لا يستطيع التأصيل ولم أسمعه مرة - على حسب علمي - يؤصِّل مسألة على أصول الفقه. ومن شواهد ذلك قوله في تعدد العلة وفي علة القرض وفي عدم نقاشه مطلقاً في علة الثمنية وقصرها وتعديها بالصفة أو مطلقاً. وهذا الضعف في الأصول لمسته في كثير ممن ناقشني وليس في الشيخ الأطرم وحده ويُخيّل لي وكأنهم يستقون من منبع واحد حتى أُبيّن لهم خطأ تأصيلهم في العلة. وأعتقد أن مشكلة ندرة المقدرة على تطبيق الأصول على الوقائع والأحكام (حتى ولو كان الشيخ أصولياً) مردها الحفظ المطلق والإنكار على المخالف في المنهج السلفي المتأخر عندنا في السعودية. رابعاً: ومن العجب أنه حتى اقتصادياً تكلم الشيخ وهو كأنه ينبه المشاهد بأنني لا أعرف بيع الديون وعمل البنوك، وأنا المتخصص بحق في ذلك وكتبت فيه كثيراً وقضيت الساعات أشرح له قصة الفلوس وعمل البنوك فضلاً عن طرق التمويل، وأصبر عليه كما أصبر على غيره. وهذه مشكلة شيوخ الصيرفة يعرفون مبادئ بسيطة جداً في الاقتصاد والمحاسبة والتمويل بعضها صحيح وأكثرها خطأ مركب، ثم يتحدثون في مسائل دقيقة لا يعرفها معظم المختصين في مجال الاقتصاد والبنوك، ويلومون غيرهم عندما يتحدث في أحكام الدين ولو كان أعلم منهم بالمسألة فقهاً وشرعاً وتأصيلاً وإدراكاً بحقيقة واقعها، وقد روي عنه عليه السلام عند أبي داوود «فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه». خامساً: ذكر الشيخ أنني أدافع عن البنوك! فسبحان الله فمن الذي يُصادق على أرباحها المرتفعة، وغشها للناس، ومن هو الذي لم يجادل عن سجنها للناس في الديون، ومن هو الذي يعمل على إيجاد مخرج لها من زكاة الديون - إن كان حقاً يؤمن بصدق الصيرفة -؟ أليس هو الشيخ الأطرم؟ وبماذا دافعت أنا عن البنوك؟.. لأنني أحدث الناس باستغلال البنوك للناس بما يُسمى الصيرفة الإسلامية؟ ولأنني أُبين بأن ليس لها دليل من كتاب ولا سنة!، وهذا يقودنا إلى الأمر السادس. سادساً: الشيخ لم - ولن - يتطرق إلى دليل الصيرفة وبطلان استدلالهم بحديث خيبر الذي احتجوا فيه ردهاً من الزمن على أمة محمد حتى نقضته من أصله فهم يستدلون بالتخارج (التحايل) على الوسيلة إلى التحايل على الغاية الكبيرة. لذا فهم يتجنبون ذكر هذا مطلقاً، وقد كان هذا أحرى أن يتكلم فيه بدلاً من الديون التي لم أذكرها في مقالي - إلى شيخنا الأطرم - وقد كان السؤال في البرنامج عن ربوية الفلوس. ولا يتسع المقال لأكثر من ذلك، ولكن المسكوت عنه هنا يظهر أن الشيخ بدأ يدرك بأن بطلان القول بالربوية بدأ يظهر وأن الأمة لا تخلو من علماء حق يصرحون بما يريهم الله، فلذا لجأ -كما يبدو لي - في آخر كلامه إلى التأكيد بأنه من الواجب عدم انفراد عالم بغير القول الذي يتبناه هو وهو الربوية. وهو يعلم أن هذا غير صحيح ومستحيل.. وهذا دليل أخير - إن كان المشاهد منصفاً وعاقلاً - يدل على عدم إنصاف الشيخ. فإن التجديد في الدين يأتي على أيدي علماء أفراد ربانيين صادقين لا يخافون في الله لومة لائم ثم يتبعهم الناس، وأقرب مثال على ذلك فتوى ابن باز بعدم وقوع الطلاق البائن في مجلس واحد، والإمامة في الدين فضل من الله يأتيه من يشاء.. لا كما يحاول الشيخ من إماتة المسألة من التحذير من انفراد أحد العلماء الربانيين بالتجديد وتطبيق شرع الله في اقتصادنا الحديث وإنقاذه من المهازل التي لحقت به بالحيل واستغلال الناس وإخراج الأمة من الآصار والأغلال التي وضعوها عليهم من غير حق بالقول بالربوية، والتي تنبأ فيها كلها ابن تيمية وابن سعدي في هذه المسألة بالذات، فسبحان الله يُؤتي الحكمة من يشاء من عباده، ومن أُوتي الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً.