يقول الشعراء ما لا يفعلون، ولو قالوا ما يفعلون لفقد الشعر نكهته وجماله وصوره المستنبطة من الخيال الخصب أحيانا فلربما كتب الشاعر عن التعب وهو يحتسي كأسا من الشاي (المنعنع) ليعرج على إحساسه بالبرد القارس بعد غياب حبيبته وهو الجالس أمام المدفأة يتابع فيلما كوميديا لأحمد حلمي في اللحظة التي يكتب فيها عن الدمعة التي تراود عينه بالسقوط، ربما يكون الشعر قلقا داخليا أكثر منه شكلا خارجيا، ولكن ليس على المتابع أن يشرح قصيدة الشاعر بحثا عن كيفية كتابة الشاعر لقصيدته ومدى صدقها مع واقعه الذي يعيشه لأن القصيدة حينها ستفقد بريقها وألقها وكذبها، ليست الحقيقة جميلة دائما!. عندما يستلهم الشاعر لحظة الكتابة فإنه يغمض عينيه عن كل ما حوله، باحثا عن صورة مفردة تتناسب مع الحالة النفسية لما يريد كتابته وليست الحالة النفسية له لحظة الكتابة، وثمة فارق كبير. وعودة لقول الشعراء لما لا يفعلونه، فإن السهر حتى مطلع الفجر، واعتلال الصحة، ونحول الجسم، والجوع، والظمأ، والجلوس وحيدا طول الوقت، والدموع المتساقطة، وغياب الابتسامة، والشعور بالبرد صيفا، والاختناق وعدم القدرة على التنفس، وحالة الشرود الدائمة بل وربما الحبيبة غير الموجودة أصلا.. كل هذه الأمور قد تصبح مجالا للتندر لو كانت في غير الشعر والكتابة الأدبية، إلا أنها بالتأكيد ستصبح مجالا للتندر لو لم يتقن الشاعر كذبته الجميلة! زايد الرويس