درة الساحل الشرقي وعروس الخليج، مدينة الخبر، يحن إليها من زارها أو عاش فيها. كانت القلب الجميل لمدن وواحات المنطقة الشرقية المتنوعة بثرائها الحضاري، والثقافي والزراعي والصناعي والسياحي. يقولون من زار شواطئها وتذوق ماءها، لا بد يشتاق إليها و يتذكر عبور ذلك الشارع البهيج المليء بالأشجار الباسقة، والكورنيش المزروع والمفتوح بساحاته على الماء. عدت إليها مشتاقاً فوجدتها تزداد كرماً في استقبالها ضيوفها بتنوع فنادقها ومطاعمها وأسواقها، ووجدت قلبها ينبض لمن حولها؛ عاصمة البترول الظهران، وعاصمة التجارة بالشرقيةالدمام، وشاطئ الخليج نصف القمر، وجسر المحبة والجيرة يربط السعودية بالبحرين. تنازع الدرة بين الحفاظ على جمال طفولتها الذي ميز تخطيطها، وبين فعل الزمن الذي يضفي عليها صرامة مدننا القاسية. فعل الزمن القاسي تقوده أمانة المنطقة التي نراها تعتدي على ملامح الدرة فتفقدها بعض ملامح نقائها الذي عهدناه. وكأن المخطط ضاقت به الأرض فلم يجد سوى القسوة بتحطيم معالم الطبيعة بشوارع الخبر الرئيسة وبتضييق مساحتها الجميلة على البحر باستثمارات مادية تنهش وجهها البحري الجميل. يرونه التميز البحث عن عميل تجاري يدفع أكثر وعن شركات تقتلع الأخضر لتضع مكانه سواد الإسفلت وشواهق الإسمنت. وكأن مستقبل العروسة محصوراً بالماديات المستوردة من مدن الجفاف الأخرى. التميز هو كم ستجلب لهم الفاتنة من مبالغ مادية، تسمى استثماراً، وما علموا بأن الاستثمار ليس مجرد نفق تلوثه عوادم السيارات ومبانٍ متراصة تحجب البحر عن أهلها وزوارها المشتاقين. أغرقتهم النظرة الضيقة للمنطقة الشرقية كمنظومة مدن وواحات وشطان تتكامل مع بعضها البعض فركزوا خططهم نحو نهش قلب اللؤلؤة بمعزل عن الصورة الأشمل والأفخم لأجمل المناطق، أم الخير، كما أسماها خادم الحرمين الشريفين. أم الخير ليست مجرد بئر بترول، بل مصانع الجبيل، وواحات الأحساء والقطيف، وحضارة الدلمون وقلعة دارين، وشواطئ اللؤلؤ والرمال الذهبية وملتقى طرق التجارة المتنوعة. أم الخير كنا ننتظر ربط واحاتها بمدنها عبر شبكة قطارات سريعة تجعلها وحدة ينتقل فيها المقيم والزائر من واحة إلى أخرى دون عناء أو وجل، فإذا بها تغرق في أنفاق مدنها الضيقة ورص الصناديق الأبراج الشاهقة على شوارع محدودة بها. أتعبها الزمن في الآونة الأخيرة بكثرة الهدم والرصف، ثم الهدم والرصف، في كل عام. أم الخير عاق بها أبناؤها، أرامكو وسابك وبقية الكبار، حين تخلوا عن أدوارهم التنموية والاجتماعية لصالح تعظيم أرباحهم. تقوقعوا داخل مجمعاتهم، ليبقوا المدن حولهم حبيسة نظرة الأمانات والبلديات التي غرقت في تفاصيل الشوارع والأزقة. درة الخليج وقلب الشرقية، الخبر، كانت المثال حينما ساهمت في صنعها أكبر شركات العالم، أرامكو. تلك الشركة التي كانت الرائدة في تحسس مسئوليتها الاجتماعية؛ تخطط المدن وتبني المدارس والمؤسسات التنموية المتنوعة بالمنطقة. تلك الشركة التي عقّت بمنطقتها وتحولت إلى بناء الجامعات والملاعب بالمدن البعيدة عن منابعها. أم الخير تنتظر هيئة عليا تنظر لها بشمولية لتعزف أجمل الألحان كفرقة اوركسترالية واحدة بعيداً عن العزف المنفرد غير المتناغم لمدنها، وبشكل متوازن يقلل تدافع أبنائها للتزاحم في مدينة أو مدينتين على حساب بقية أجزائها. هيئة تتعامل معها كأكبر مناطق بلادنا وأجملها لمن يستوعب تنوعها وحضارتها وفضاءاتها الممتدة في كل الأطراف دون أن يغرق في تفاصيل أزقتها الأسفلتية ويتفنن في نهش أحشائها بالخبروالدمام والهفوف وبقية مدنها. أم الخير لديها أفضل أبناء التنمية السعودية؛ أرامكو، سابك، الجامعات، وبقية الأبناء البارزين. هؤلاء البارزين آن لهم أن يسهموا في رقيها للمراتب العليا التي تستحقها.