ومرت الاختبارات الشغل الشاغل، والقضية النازلة، عند أكثر الناس، فقل ما تجد بيتاً من بيوت المسلمين، ولا أسرة من أسر المجتمع، إلا وفيه على الأقل طالب أو طالبة، حصل على نتيجة عام دراسي، وأنجز مرحلة من مراحل حياته التعليمية، على تفاوت في الطموحات، وتنوع في التطلعات، فمنهم من يطمح ويتطلع إلى المراكز العالية، ومنهم من يتمنى المضي بأقل مراتب النجاح، كما قال أحدهم، وقد سمع أحد زملائه يقول: أتمنى النجاح ولو بتقدير مقبول، فقال: أنا أتمنى النجاح ولو بتقدير ملعون، وليس هناك تقدير بهذا المسمى، ولكنه العجز والكسل وعدم الطموح الذي بلغ به مبلغا عظيما. فالطموح أمر مطلوب من المسلم، ومبدأ من أهم مبادئه التي ينبغي أن توجد في حياته، ففي صحيح الجامع للألباني -رحمه الله - عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما - يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سَفْسَافها) والسفساف هو الحقير الرديء من كل شيء وعمل. فنفس المسلم يجب أن تكون نبيلة شريفة لا ترضى إلا بمعالي الأمور، وعظائم الأشياء، وتترفع عن كل صغير وتسمو عن كل حقير، وكما قال أحدهم: لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا ولا ينال العلا من قدم الحذرا ومن أراد العلا صفوا بلا كدر قضى ولم يقض من إدراكه وطرا وأحزم الناس من لو مات من ظمأ لا يقرب الورد حتى يعرف الصَّدَرا قبل بداية الاختبارات قابلت أحدهم، وقد شحب لونه، وخبثت نفسه، وضاق صدره، يبحث عن راق ليرقيه، بسبب أن رئيسه بعمله، أمر بنقله من مكتبه إلى مكتب آخر، فسألته: هل جاء في نفسك أن تكون يوما من الأيام في مكان رئيسك؟ قال مستحيل! قلت ولماذا؟ وما هو الفرق بينك وبينه؟ وقد أعطاك الله وقتا كوقته، ومنحك عقلا تفكر فيه كعقله، ووهبك مكونات كمكوناته! فاستخدم وقتك وفكرك ومكوناتك، كما استخدمها هو فوصل إلى ما وصل إليه، وقد تصل إلى أكثر منه، ودع عنك الكسل وحب الراحة والدعة، وكن كالغيث أينما حل ووقع أفاد ونفع. وأمثال صاحبي في المجتمع كثير، الذين من أبرز صفاتهم حب الكسل، والبحث عن الراحة التي تجعلهم يراوحون -كما يقال - في أماكنهم، ولله در القائل: لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا إن ما يحل في المجتمع من فساد إداري، وتعطيل لمصالح الناس، سببه هؤلاء الكسالى، العالة على مناصبهم، الذين لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية، ومنافعهم الذاتية، والمتحققة بأدنى جهد، وبأقل بذل وعطاء. فالطموح من الصفات المهمة، التي ينبغي أن يتصف بها المسلم، وخاصة المسلم الذي توكل إليه أمور المسلمين، ويستأمنه ولي الأمر على مصالح الناس، يستحيل أن ينجح عمل يخطط له فاشل، أو يتميز منتج بيد غشاش، أو تفلح أمة يتمنى أبناؤها للنجاح تقدير ملعون أو حتى مقبول. *حائل