من يتتبع مسيرة الفن التشكيلي السعودي على مستوى المملكة، التي تُشكّل قارة مترامية الأطراف، يجد أن في كل جزء منها مبدعين تشكيليين، استلهموا جمال محيطهم المتنوع في مصادر الإلهام، نتيجة تنوع تضاريسه وبيئاته المفعمة بالجمال، وتأتي الرياض أحد تلك الأجزاء بما لها من أهمية، كونها القلب النابض للوطن والثدي المدر بالخير لكل أجزائها، مهما بعدت أو ترامت أطرافه، هذه المدينة التي أعلنت تحديها للصحراء وأحالها رجالها إلى مدينة عالمية، حظيت بجوائز وبإعجاب العواصم التي سبقتها نشأة وتطوراً، مدينة تجمع كل متطلبات الحياة وتضم بين جوانحها منابع العلم، والمعرفة، وتنطلق منها مشاعل بناء الحضارة السعودية منذ تأسيس هذا الكيان العظيم على يد الموحد المغفور له - بإذن الله - الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن. الرياض اسم تستدير له الرقاب، وتقف له القامات احتراماً وتعظيم لمن جعل منها عريناً للأسود، ونبعاً يطفئ ظمأ العطشى، ويسد جوع المحتاجين، تاريخا، ومجدا مصدر اعتزاز لمن يحمل اسمها، وفخرا بالانتماء لدولة هي عاصمتها، من هنا كان للفنانين فيها شعور، وعشق، وحب لا يضاهيه حب، فاختاروا اسمها عنواناً لأولى خطواتهم، ليكون هذا الاسم ظلا ومظلة تجمعهم، وتلم شمل إبداعهم، فغمسوا أدوات تلوينهم في رمال الرياض، ومزجوها بلون سمائها، وبللوها بهتان مطر شتائها، فنقشوها ملامح وفاء، بألوان زهور الربيع، ووثقوا في لوحاتهم مواقف أبطالها، وسطروا من تاريخها العطر، أجمل قصائدهم، لوحات ملونة. معرض الرياض التشكيلي الأول عام 1409ه جمع عشق الرياض نخبة من التشكيليين، الباحثين عن أسرع وأقرب السبل، للتعبير عن ذلك العشق لهذه المدينة العاصمة، ولمن كان وراء دعمهم، والأخذ بأيديهم، ابتداءً من أميرها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، وبقية كبار المسئولين عن الثقافة في ذلك الوقت، يمثلهم الراحل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب المؤسس الأول رائد فنون وثقافة الوطن، الذي أرسى قواعد الإبداع السعودي ثقافة وفنوناً، وأكد قدرة أبناء الوطن على المنافسة العالمية، ولم يكن لهؤلاء المبدعين، الذين أخذوا على عاتقهم وقتها مهمة تمثيل كل التشكيليين في الرياض، أكثر من ثقتهم بأن الجميع يشاركهم الهدف، والإجماع على حب الرياض ومن فيها، كما هو حبهم لكل مدينة وقرية في وطننا الغالي، التي لكل من المشاركين في المعرض فيها موقع قدم أو حلقة وصل قبل أن يحط أجداده رحالهم في الرياض. هذا الانتماء للرياض العاصمة، وما يمثله من انتماء لوطن بأكمله، كان المحرك للفكرة الأجمل، والأقرب لإبداعهم، للتعبير به عن الكثير من هذا الحب، فكان الموعد وكانت ولادة الفكرة والاسم أيضا (معرض الرياض التشكيلي الأول)، وكانت المبادرة للوقوف مع الجهات المعنية بالفنون التشكيلية من قبل الأفراد أصحاب الشأن، اعتبرها المنضمون والمشاركون من الفنانون، رداً للجميل، واستكمالاً للدور الكبير لتلك الجهات فكان المعرض وكان التجمع وكان النجاح. تجسيد الفكرة بدأت الفكرة حينما التقى كل من الفنانين سعد العبيد ومحمد المنيف وسمير الدهام ومحمد البدر، (بذل فيها الزميل سعد العبيد جهداً لا يُنسى) ولم يتوقع هؤلاء أن يكون لهذا المعرض هذا الحجم من الاهتمام من قبل الداعمين أو المسئولين، الذين وقفوا مع المعرض وشجعوا أصحاب الفكرة فيه في مقدمتهم الرئاسة العامة لرعاية الشباب يليها أمانة مدينة الرياض التي تشرف المعرض بحضور أمينها في ذلك الوقت الأستاذ عبد الله النعيم، وإدارة الحي الدبلوماسي التي منحت المعرض فرصة لإقامته في قصر طويق رغم حداثة تفعيله، ولم يكن يتوقع هؤلاء الثلاثة أن يصل عدد المشاركين إلى ما يفوق الثمانين تشكيلياً من الجنسين، مع الإشارة إلى وجود عدد كبير من التشكيليات، لم يكن لهن حضور وقتها في المعارض الأخرى، وهذا أمر يحسب للمعرض، الذي غيّر خريطة المعارض وأعاد تشكيلها، لتنطلق بعد ذلك معارض مماثلة، كان هناك خوف من أن في إقامتها ما يشكل ازدواجية مع الجهات الرسمية، المعنية بمثل هذه الأنشطة إلا أن الأمر كشف أن لدى تلك المؤسسات من التشجيع لمثل هذه لفعاليات ما أطلق مثيلاتها في المرحلة اللاحقة. هذا التشجيع والتحرك دفع بلجنة المعرض بالاتصالات الشخصية، وتم جمع أئمة بالأسماء حرص الجميع على أن تكون متوازنة بين أسماء معروفة وأخرى موهوبة تمتلك القدرات الجيدة مع الحرص على جودة العمل استشرف من خلالها مستقبل الفنانين المشاركين من الأجيال الجديدة التي أصبحت اليوم رموزاً ونجوماً حققت الحضور المحلي والعالمي. أسماء ونجوم كان للمعرض شرف كبير أن وافق صحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أن يكون ضيف شرف مما زاد الثقة في نجاح المعرض لأهمية سموه الكريم وأهمية ما أبدعه في معرضه الأول الذي سبق هذا المعرض هذه المشاركة من الأمير الشاعر والتشكيلي ما أضاف وهجاً ودعماً إعلامياً وحضوراً تبعه مشاركة كل من: أحمد الأعرج، محمد البدر، الأميرة نورة بنت بدر، محمد البراهيم، سمير الدهام، إبراهيم الوهيبي، ناصر الزومان، سلطان الزياد، سلمان الحلوة، عبد الرحمن الحواس، الجازي الحسيني، عبد الجبار الحصين، صباح حسن، فهد الحجيلان، حسن الحمدان، عبد الجبار اليحيا، رضا معمر، مها الملوح، سعد المسعري، محمد المنيف، جيهان مدرس، حمد المواش، فيصل المشاري، عبد الرحمن المحسن، عبد العزيز الناجم، عبد الله السعيد، ميسون السديري، أحمد السلامة، ماجدة السديري، شؤيفة السديري، نورة السديري، سعد العبيد، عبد الله العتيق، عبد المحسن العريفي، خالد العويس، خالد العبدان، ناصر العقيل، سعاد العبد الله، عبد الرحمن العجلان, سلوى عثمان الحقيل, إبراهيم الفصام, نورة الصالح، لميز قطب، علي الرزيزاء، ناصر الرفاعي، هدى الرصيص، فهد الربيق، هناء الشبلي، طارق الغفيلي، ناصر الغانم، عثمان الخزيم، عبد الرحمن الخميس، نادية خوجة، صالح خليفة، فوزية الخميس، صالح خطاب، هادي الخالدي. فعاليات رائدة ما يمكن أن أصفه بالريادة في جانب الفعاليات التي أقيمت على هامش المعرض لم تكن نتيجة تعاطف أو ميل مع المعرض بقدر ما هي الحقيقة فالندوات التي أقيمت وقت المعرض لم يكن لها مثيل قبلها مما كان يقدم وقد تكون شبه معدومة في كثير من المعارض التي سبقت هذا المعرض حيث أقيم على هامشه وفي قاعة محاضرات قريبة من قاعة العرض بقصر طويق ندوة في اليوم بعنوان: التشكيل السعودي وتأثير المدارس الغربية.. شارك فيها كل من الفنان علي ناجع والفنان فؤاد مغربل وعبد الرحمن السليمان وأداها الفنان محمد المنيف.. وندوة في اليوم الثاني بمشاركة مفتوحة جرى خلالها مناقشة نقدية حول الأعمال بالمعرض كما قدم الدكتور محمد فضل محاضرة بعنوان: الفن السعودي المعاصر، كما قدم من جانب السيدات محاضرة بعنوان: الفن فطرة أم اكتساب للناقدة لولوة العماري، ومحاضرة بعنوان: دور الأم في تنمية القدرات الإبداعية لدى الأطفال للدكتورة سهام الصويغ ومحاضرة بعنوان: الفن التشكيلي وعلم النفس للأستاذة نورة السليمان. موقع أضاف أهمية للمعرض لا شك أن موقع إقامة أي معرض يشكّل أهمية وإضافة له ولهذا كانت فكرة إقامة المعرض بقصر طويق بالحي الدبلوماسي من أهم وأبرز أسباب نجاح المعرض حيث كان الموقع والحي ما زالا في بداية التعريف بهما وكان هناك إقبال كبير عليهما لارتياد الحدائق المتميزة بالحي أو للتعرف على أنماط البناء التي تنوعت بتنوع كل سفارة أو بالتصميم الخاص لقصر طويق الذي جمع فيه إيحاءات العمارة في نجد وقوة تكوين القصور ذات المواصفات المتعلقة بالدفاع والحماية عوداً إلى الأسلوب القديم في مثل هذه الأبنية، هذا الاختيار جذب الكثير من الزوار مع ما حظي به المعرض من دعاية إعلامية مسبقة. حضور لافت تجاوز التوقع المفاجأة التي لم يكن يتوقعها المنضمون للمعرض كانت في كثافة الحضور وعلى مدار أيام العرض التي تجاوزت الأسبوع من قبل جمهور من مختلف الشرائح ومن المدارس والجامعات ومن الجنسين مما أضفى عليه الكثير من النجاح والمكاسب المتمثلة في انتشار مفهوم المعارض إضافة إلى ما خرج به المعرض من لمّ شمل التشكيليين في الرياض والتعريف بهم. جمعهم طويق وفرقتهم الشللية والتنافس من المؤسف أن هذه الخطوة أو التجربة وبما حظيت به من نجاح والتي كان المتوقع أن تكون دافعا لمعارض مشابهة أو إنشاء تجمع خاص بالتشكيليين في الرياض أجزم بأنه سيشكل النواة الأولى لجمعية مستقلة في ذلك الوقت الذي لم يكن لدى بعض المسئولين قناعة بناشئها، إلا أنه لم يكتب لهذا اللقاء الاستمرار لأسباب كثيرة (باستثناء الأسماء التي ابتعدت عن الساحة) أهمها وأبرزها تشتت التشكيليين وتحزبهم وتفرقهم لشلل هدمت أكثر مما بنت في جانب التكاتف والالتحام فبعد أن جمعهم قصر طويق فرّقتهم الرغبات والميول وحب السيادة والاحتواء من قبل البعض ممن ذاق غرور القيادة ونسي طعم ونتائج التعاون، هذا الواقع ما زلنا نعيشه إلى يومنا هذا وسوف نرى الكثير من المفاجأة. أخيراً: أحببنا بالعودة إلى هذا المعرض أن نذكر الساحة التشكيلية من الأجيال الجديدة ما يحمله تاريخ الفن التشكيلي في الرياض خاصة وعلى مستوى المملكة ففي قائمة الأسماء في هذا المعرض من هم من خارج الرياض كانوا متواجدين في الرياض للدراسة أو العمل.