يحذر الإنسان التقليل من شأن الآخرين أو رميهم بالظنون أو اتهامهم بما ليس فيهم، بل عليه أن يتثبت فيما يقوله أو يحكيه عن غيره، وهذه من أهم الصفات في الحكم على الآخرين، وبعض الناس يدخله العجب بنفسه وبعمله ويظن أنه أحسن حالاً من غيره فإذا رسخ هذا الفهم في نفسه بدأ يحقر الناس ويزدريهم ويصفهم بأوصاف وكأنهم قد هلكوا في حياتهم ولم يبق إلا هو سليماً من الآفات والعيوب وهذا عين الحمق والسفه والبعد عن الفهم الصحيح لأدلة الشريعة الإسلامية. وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن يسلك هذا الطريق، كما ثبت في صحيح مسلم (2623) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم) وفي ضبط كلمة (أهلكهم) وجهان مشهوران روي برفع الكاف وفتحها، والرفع أشهر ومعناها أي: أشدهم هلاكاً، وعلى رواية فتح الكاف فمعناها: هو جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة (شرح النووي على مسلم 16-391). قال أبو العباس القرطبي في المفهم (6-608) موضحاً المعنى على الروايتين فذكر أن معنى رواية الرفع: (أن القائل كذلك القول هو أحق الناس بالهلاك أو أشدهم هلاكاً ومَحْمَله على ما إذا قال ذلك محقراً للناس وزارياً عليهم، معجباً بنفسه وعمله ومن كان كذلك فهو الأحق بالهلاك منهم)، وهذا هو المكروه الذي نُهى عنه، ورخص بعض أهل العلم منهم الإمام مالك أنه لا بأس إذا قال ذلك تحزناً لما يرى في الناس على جهة الشفقة والرحمة لأهل عصره بالنسبةِ لمن تقدمهم، ثم ذكر القرطبي المعنى على رواية النصب: (أن الذي قال لهم ذلك مقنطاً لهم هو الذي أهلكهم بهذا القول فإن الذي يسمعه قد ييأس من رحمة الله فيهلك). وقد ابتلى المجتمع المسلم بأمثال هؤلاء الذين يعيبون الناس ويقدحون فيهم بذكر مساوئهم ونشر عيوبهم ثم يحكم على واقعة الذي يعيشه بفساد الناس وهلاكهم ونحو ذلك من الكلام المحذور؛ لأنه يرى أن له فضلاً ومكانة على غيره، وأنه خير منهم ولا يصلح أحد إلا إذا كان مثله أو على طريقته، وهذا القائل بهذا القول قد يغلب عليه رأي الخوارج فيسعى بإهلاك الناس بالخروج عليهم وتكفيرهم واستباحة دمائهم وأموالهم ويشق عصى الطاعة عن جماعة المسلمين ونحو ذلك كما فعلت الخوارج بأفعالهم السيئة على مر التاريخ الإسلامي. فالعاقل لا يخاطر بنفسه في هذا المسلك العفن ولا يدخله التشاؤم في واقعة، ولا يبني عقله وحياته على إنشاء العداوات وإساءة الظنون بالآخرين وازدرائهم في أوصافهم وأعمالهم، وعليه أن يتقي الله في الحذر من ارتكاب ما نهى الله عنه ورسوله، وأن لا يستعمل الألفاظ المحظورة شرعاً التي قد تنشئ الكراهية والعداوة بين الناس، والذي ينفع الناس هو ذكر محاسنهم والتعاون معهم على البر والتقوى، ومناصحتهم وتذكيرهم إذا وقع منهم شيء من المخالفات فذلك أقرب إلى الترابط والتماسك والمحبة. والله ولي التوفيق. * وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود