هناك أخطاء شائعة في مجتمعنا وهو الاعتقاد بأن من حصل على مؤهل دراسي مرموق في أي مجال معرفي أو تقني، يكون بالتالي قد حاز المعرفة والقدرة على الاضطلاع بالمهام التربوية على خير وجه. فالطبيب والمهندس والجيولوجي جديرون بأن يكونوا أدباء صالحين لتربية أبنائهم، وعلى النحو فإن الطبيبة والكيميائية والجيولوجية.. إلخ. جديرات بأن يكن أمهات صالحت لتربية أبنائهن. فالخطأ البين في هذا المفهوم يكمن فيما يسمى بالتعميم، فنحن مجتمع نميل بطبيعة تكويننا النفسي إلى التعميم على الكل في ضوء ما يتصف به الجزء، فما دام الشخص قد تمكن في فنون الطب والهندسة أو الجيولوجيا أو أي مجال علمي أو تقني، فنحن نقرر إذن ونحن مطمئنون إلى أنه قد تمكن من كل شيء وإلى أنه بالبديهة يكون والداً حصيفاً في شؤون التربية وهذا غير صحيح، لأن التربية والتعليم فن ومهارة وتخصص كغيره من العلوم ولا يقوم بها إلا متخصص في هذا المجال لذا فإن الشخصية يمكن أن تنجح وأن تتعمق في قطاع ما من قطاعات الحياة بينما تكون متخلفة وسطحية، بل ضامرة في بعض تلك القطاعات. هذا هو الخطأ الأول أما الخطأ الثاني فإنه يكمن في الاعتقاد السائد لدى أفراد المجتمع في أن قطاعي العاطفة والإرادة من شخصية المربي يخضعان لما يحوزه من معرفة، وبتعبير آخر فإن ما يقتنع به المربي من أفكار ومفاهيم لا بد أن تتحكم فيما يحمله المربي والداً كان أو معلماً من عواطف ويما ينحو إليه من تصرفات أو فيما يصدر عنه من سلوك ولكن الواقع أن الكثير مما نقتنع به لا يجد له رصيداً في وجداننا ولا يجد له صدى فيما تنزع إليه أو فيما تصدره من قرارات، وفيما يضطلع به من مهام وقد أماط علماء النفس اللثام عن أن حياتنا السلوكية محكومة بعوامل لا شعورية كامنة فينا وأن خبرات الطفولة ومراحل العمر التالية التي مررنا بها تظل نشيطة في أغوارنا حتى وأن اختفت أو تلونت كما تتلون الحرباء، وحتى وأن تمنطقت ووجدت لها ما يبرزها ويصبغها بصبغات عقلانية تخفي حقيقتها الخبرية اللاشعورية، ويذكر علماء النفس أيضاً أن خبرات أسلافنا البعيدين جداً والقريبين نسبياً تنزل إليها وراثياً فيما يسمونه (باللاشعور الجمعي). ومعنى هذا في الواقع أن التقنية وخبرات المربي التي حصل عليها منذ طفولته الباكرة من جهة، والضرب على أوتار صحته النفسية من جهة أخرى، الأولوية هي شحن ذاكرته بالمعلومات التربوية، وبحقائق علم النفس ونؤكد على أهمية المستوى الصحي والوجداني للمربي وإعطائها الأولوية أيضاً الخطأ التربوي الثالث فإنه يتمثل في جعل الطفل أو المراهق أو الشاب بمثابة شريط تسجيل أو فيلم يلتقط الصور بمعنى آخر أن نعتبر المعلم مرسلاً والطالب مستقبلاً لذا فإن الوالدين والمعلمين يركزون على الذاكرة، وقد أهملوا إلى حد بعيد الإدراك والتخيل والتصور والتفكير الذي يضطلع بحل المشكلات، ناهيك على أن المربين قد أغفلوا تربية التذوق والمشاعر الوجدانية والإبداع لدى ناشئتهم فالدروس تستذكر لكي تسترجع، وبالتالي تسرد كما وردت إلى الذهن بنصها، وحتى بالترتيب الذي تم استقبالها به والأخرى بالمربين أن يؤمنوا بمبدأ التفاعل الخبري الذي يجعل العناصر الخبرية التي يتلقاها المرء أشبه ما تكون بالعناصر الغذائية التي تستقبلها المعدة لتهضمها، لا لكي تحفظها كما وردت إليها، فالهضم الخبري يجب أن يكون الهدف التربوي لا محيص عنه بأي حال من الأحوال. والخطأ التربوي الرابع يتمثل في عدم التمييز بين رغبات الطفل أو المراهق وبين حاجاته والواقع أن الرغبة قد تتطابق مع الحاجة مثال رغبة العطشان في شرب الماء وحاجة جسمه في نفس الوقت إلى استيعابه، ولكن قد تتضارب الرغبة مع الحاجة. مثال آخر المريض بالكلسترول قد يرغب في تناول المواد الدسمة بينما تكون حاجاته الصحية متمثلة في العزوف عن تناول تلك المواد التي تهدد حياته. مثال آخر تربوي نجد رغبة الطفل أو المراهق تكون متمشية مع حاجاته التربوية كما هو الحال بصدد الرغبة في الجري والقفز بالنسبة للطفل العادي أو قد تكون رغبة الطفل في أن يظل نائماً بالسرير الدافئ وقد أزف موعد المدرسة لكن حاجاته التربوية تحتم حمله على ترك سريره والاستيقاظ بحيث يصل إلى مدرسته في الموعد المحدد وهكذا نستطيع القول إن عدم التمييز بين الرغبات والحاجات وهناك خطأ تربوي خامس يتمثل في اعتبار مجموعة من الطلاب بالفصل الواحد بمثابة عقلية واحدة وبالتالي يتم معاملتهم تعليمياً في ضوء ما نسميه بالمفهوم الأحادي لكن الواقع يقول وحسب مفهوم القدرات والميول أن طلاب الفصل الواحد ليسو في مستوى واحد في أي مادة من المواد الدراسية فمثلاً طالب تميل قدراته إلى الرياضيات والأرقام والمسائل، ولكن لا يميل إلى اللغات مثلاً وقد يكون في كلتا الحالتين وقد يكون طالباً موهوباً في الفنون والجوانب الاجتماعية، ويكون ضعيفاً في الجوانب العلمية، لأن مواهب كل منهم تتباين تبايناً بعيد المدى من مواهب الآخرين لذا نجد أن دأب المعلمون بكل أسف على إعداد درس واحد وكمية واحدة من الخبرات للحصة الواحدة لجميع طلاب الفصل، لذا فقد توصل النابهون من المعلمين إلى حد لا نوافق عليه في تدريس وتقييم الطلاب وهذا يتمثل في مخاطبة واختبار وقياس مستوى متوسط الفصل والواقع أن هذه الفلسفة الأحادية لا تستطيع إبراز المواهب وتشجيعها واستثمارها بل على العكس فإنها تؤد المواهب الفذة لا تجلي عن العبقريات الموجودة بين صفوف الأطفال والمراهقين، بل هي تؤدي إلى تنشئة أمة وسيطة، لا تباري الأمم المتفوقة في مجالات الحياة المتباينة والخلاصة أن هناك مبدأ تربوياً ترتكز عليه وهو الفلسفة التربوية الفارقية تقول: (أعط الضعيف ما يستطيع أن يتفاعل معه). (واعط المتوسط ما يناسبه). (وقدم أمام المتفوق من الطلاب ما لا يستطيع الانتهاء منه، بل قدم ما يتحدى ذكاءه وقدرته وسرعته كيفاً وكماً). وبأدق العبارة يجب أن نحرص على ما يقود إلى التعليم المستمر وعدم الحرص على ما يتم تعلمه فقط. - جامعة المجمعة - كلية العلوم الإدارية والإنسانية - قسم التربية الخاصة [email protected]