حقاً لم نعد بقادرين على متابعة الأحداث الدرامية والسياسية الخطيرة التي تدور في دولة اليمن بعد أن تعرض الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لمحاولة اغتيال لم تنجح. اليمن منقسم ما بين مؤيد ومعارض للرئيس علي عبد الله صالح، والعالم كله بما فيه المنطقة منقسمون حيال الوضع في اليمن ما بين مؤيد ومعارض ومتفرج. المعارضة اليمنية تريد التغيير، تطالب برحيل الرئيس علي عبد الله صالح وجميع رموزه السياسية. نعم هم يعتقدون أن الرئيس اليمني أطال في زمن حكمه ووصلت سياساته التنموية والإصلاحية الى طريق مسدود. أما مؤيدو الرئيس علي عبد الله صالح فهم يؤكدون أنه الرجل الذي تمكن من توحيد اليمن ومضى بها في طريق التنمية والتحديث، بل ونقلها في السنوات الماضية من مرحلة التخلف إلى مرحلة النمو. هنا من الواضح أن القسمة قد يراها البعض عادلة ومنصفة من مختلف النواحي السياسية والاجتماعية، فاليمن مجتمع قبلي لازالت فيه مشاعر الولاء والانتماء القبلي تفوق مشاعر الولاء والانتماء الوطني لليمن كدولة، بل وتتخطى محاذير الولاء السياسي لليمن كوحدة سياسية مترابطة وموحدة. بيد أن تلك القسمة لا يمكن أن يكتب لها البقاء ناهيكم عن الاستمرار لما فيها من مخاطر سياسية وأمنية عظيمة على أمن واستقرار اليمن الذي يترنح حالياً جراء ثقل المشكلات والأزمات الاقتصادية ومن وطأة الفقر والجهل والمرض وبالطبع الفساد، الأمراض التي تعصف بشعبه من كل حدب وصوب بعد أن تناقصت الموارد وجفت منابعها وتفاقمت أعداد من يقسمونها على عدة أقسام محدودة. المنطقة العربية بدورها تعاني برمتها من مرحلة مخاض سياسي عقيمة لم تنتهِ حتى الآن منذ شهور طويلة، تحديداً ما أن بدأت مرحلة ما يسمى «بربيع الثورات العربية». المنطقة إذن منهمكة في تطبيب جراحها التي أُلحقت بها بفعل فاعل من الخارج وبمساعدة ثلات من مواطنيها من الداخل. هنا لا نقول إننا ضد هؤلاء أو مع هؤلاء، فالقول الفصل ليس لنا وإنما للشعوب العربية. لذلك لازالت الحكومات العربية في موضع حيرة عميقة في كيفية معالجة حالات المخاض السياسية الفجائية من جهة، ومن الجهة الأخرى في وسائل ودعم ومساندة الحكومات الأخرى التي تعاني من مرحلة المخاض تلك. فإن ساندت الحكومات ونجح الشعب فمعناه القطيعة أو المماحكة السياسية والدبلوماسية مع الحكومات الجديدة. وإن ناصرت الشعب ونجحت الحكومات فإنها لن تسلم أيضاً من سياسات تصفية الحسابات التي لا مفر منها ولا مهرب بعد أن تنفض عن كواهلها مخاطر تلك المرحلة. لذا فإن أفضل سياسة في هذا الوقت المهول هو عدم اتخاذ أي سياسة حيال ما يدور من أحداث درامية في بعض الدول العربية. ذات الحال قد ينطبق على الدول الكبرى وبل والمجتمع الدولي برمته الذي بدوره في حيرة عظيمة مما يجري في بعض الدول العربية من حراك لمخاضات سياسية دراماتيكية لا يمكن التكهن بمنتجاتها ومخرجاتها. فدعم أنظمة الدول قد تفقدها مستقبل علاقاتها مع حكومات الشعوب العربية القادمة، ودعم الشعوب قد تفقدها إن بقيت صداقات الحكومات الحالية وبالتالي تتعرض للخطر مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية في تلك الدول. اليمن ينخرط بكل معنى وقول في هذه المعادلة العويصة نظراً لما يعتمل في أحشائه الاجتماعية والسياسية من مصادر شر وخطر متطرفة وضعت بويضاتها فيه منذ أن غدا اليمن الوطن البديل لتنظيم القاعدة. هاهنا تصبح المعادلة أكثر غموضاً وخطورة، فالرئيس علي عبد الله صالح في اعتقاد الغرب هو الرجل الذي يثقون فيه في محاربة الإرهاب وتنظيماته في اليمن بل وحتى في القرن الإفريقي. لذا لا مناص هنا من إثارة التساؤلات: كيف يمكن تخطي هذه العقبة الواقعية المنيعة؟ كيف يمكن إرضاء الشعب اليمني في ذات الوقت الذي لا تتخلى فيه الدول الغربية عن حليفها القوي في اليمن؟ وكيف يمكن تفادي تورط سياسي وعسكري أكثر وأعمق في اليمن، البلد الذي يصعب السيطرة عليه من قوى الخارج، إن لم يكن يستحيل على أي دولة في العالم أن تفرض سيطرتها عليه؟. هذا ما يقوله التاريخ وتؤكده الأحداث والحقائق، فاسم واحد من أسماء اليمن في الماضي كان «مقبرة الأتراك». لذا هل يترك اليمن وشأنه اليمني؟ هل يستمر العالم في التغاضي والتخوف والترقب؟ هل ينتقل اليمن قريباً إلى مرحلة جديدة؟ أم يبقى في ذات المرحلة؟ مرة أخرى ذلكم شأن يمني يقرره أهل اليمن.