عبد الرحمن الراشد* نقلاً عن "الشرق الأوسط" اللندنية الحقيقة؛ ليس مهماً أن يتعلم الحكام من النهايات المروعة للقذافي وصدام وما ينتظر الأسد وصالح، بل الأهم أن تتعلم الشعوب، أن تتعظ مما شاهدته؛ أن أعظم وأشهر خمسة زعماء حصلوا على الشعبية وأوسمة التقدير الشعبية خلال السنين الطويلة الماضية اتضح أنهم أسوأ الحكام وأعظمهم إجراما وأقل صدقا وأكثر دجلا. معمر القذافي، زعيم «شعبي» آخر حكم بالدم والدعاية، حكم مثل الراحل حاكم بغداد، صدام حسين، والحالي حاكم دمشق، بشار الأسد، ووالده من قبله، وكذلك أسامة بن لادن، ومعهم رئيس اليمن علي صالح. يشترك هؤلاء الطغاة في أنهم كذبوا طويلا وصدقهم العالم العربي لعقود، لبسوا أقنعة شجعان الأمة وضميرها. وكما وجدوا صدام مختبئا في حفرة، تم الإمساك بالقذافي مختبئا في أحد مجاري الصرف الصحي. هؤلاء لم يحكموا عن شجاعة ولا نباهة، بل كانوا مجرد قادة عصابات يختبئون وراء كتائب عسكرية وأمنية كانت تقتل بلا تردد ولسنين طويلة. ظهر القذافي قبل أشهر يلعب مع مبعوث روسي على لوح شطرنج ثم رأيناه يخسر كل معركة على أرض الواقع مع شباب وإن كانوا أقل خبرة فإنهم أصحاب قضية حقيقية. رأيناه يهز قبضته في خطبه الحماسية ثم ظهر يرجو الثوار الرأفة به. صور مخجلة ومعبرة، فهل هي كافية لنتعلم منها الحقائق من الأكاذيب؟ بنهاية القذافي الكاملة، وتقريبا نهاية كل أركان دولته، هل يكون المواطن العربي، وليس فقط الحكام العرب، قد تعلموا من الماضي؟ ليست صدفة أن أكثر القادة ادعاء للوطنية والعروبة والإسلام والحديث عن الوقوف ضد إسرائيل والغرب وأعداء الأمة، صدام والقذافي والأسد وصالح وبن لادن، هم في الحقيقة أقل الناس صدقا ووطنية وعروبة؟ لقد استولى قادة الغوغاء على عقول الناس أربعين عاما، واستخدموا القضايا العربية الحقة لتعزيز حكمهم والتخلص من القوى الوطنية الصادقة. القذافي إبان حكمه فجر واختطف وقتل آلاف الناس باسم الحقوق العربية المسلوبة وفلسطين ومواجهة الغرب، قتل الكثير من الليبيين الأبرياء وخبأ جرائمه تحت سجادة مزاعم مواجهة القوى الأجنبية، وفي الوقت الذي كان القذافي يستمتع بالتصفيق والإعجاب في بعض الدول العربية كان الليبيون يعرفون حقيقته. لم يكونوا يرون فيه شخصا وطنيا ولا قوميا ولا إسلاميا ولا أفريقيا، وبالتأكيد لا إنسانيا، بل عرفوه أربعين عاما وحشا يسفك الدماء لأتفه الأسباب. كانوا لا يرون فيه رجلا ظريفا يرفه عنهم، كما كان يراه كثيرون في العالم، بل كانوا يرونه رجلا شريرا ماكرا خطيرا. أرى في نهاية القذافي إحقاقا للتاريخ الذي زوره القذافي وأمثاله في منطقتنا، تخيلوا معي أن القذافي قبل عام واحد فقط كان قد درس الأجيال المقبلة أنه رجل تاريخي عظيم وصدق كثيرون ما كان يرويه عن نفسه من أكاذيب. نهاية القذافي، ربما جاءت بعد زمن طويل من عذاب الشعب الليبي تحت إدارة هذا الرجل الدموي المجنون، لكنها تبقى نهاية عادلة تصحح التاريخ وعسى أن تصحح الصورة.