أحمد الله وأشكره أن الله حفظ كتابه حفظا قدريا كونيا لم يوكل إليه بهذا الحفظ إلى أحد قال تعالى في وحيه الطاهر {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر -وأثني بالحمد والشكر شكرا يتراكم من الأرض إلى السماء -أنه لا يستطيع كائنا من كان أن يعبث بهذا الكتاب، فقد كف الله أكف كل من أراد أن يعبث فيه قال تعالى في محكم تنزيله {....وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (41-42) سورة فصلت- إنه من خلال تقليبي لكتب التراث تلك الكتب التي كتبت ودونت من أجل خدمة دين الله تعالى، والتي هي بمثابة مذكرات تفسيرية لكتاب الله تعالى ولصحيح سنة رسوله صلى الله عليه وسلم - فإن أولئك الذين كتبوا في ذلك ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول/ كتاب كتبوا في شرح دين الله وهم على وجه الإجمال والتفصيل قد قاربوا أن يكون نتاجهم نتاجا صحيحا فهم كتبوا في صميم بغية هذا الدين وقد أصابوا وتماسوا مع حقيقة دين الله ومضامينه وأفكاره، فمثل هؤلاء خدموا هذا الدين خدمة جليلة بسبب أن أطروحاتهم وشروحاتهم صحيحة تتماشى مع أفكار ومضامين هذا الدين فلهم منا الشكر والعرفان فضلا عن جزاء الله لهم ومثل هذه الأطروحات والتصانيف التي قدمها هؤلاء فإنه يجب على الأمة الإسلامبة أن لا يغفلوا عنها البتة- ويعفيني القارئ الكريم أن أذكر أمثلة لهؤلاء فهم كثر، ولكني لو أغفلت أسماءهم فإنه ليس من الحق أن أغفل ذكر الشيخين البخاري ومسلم وابن تيميه وابن القيم وابن دقيق العيد والشاطبي والطبري وابن كثير وابن العربي وابن قدامة والنووي وكتاب السنن، إن مثل هؤلاء قدموا لنا فكرا ناصعا ليس لهم جزاء إلا من رب السموات والأرض فهم وزنوا أطروحاتهم بميزان الشرع وداروا حيث دار وتماسوا معه. القسم الثاني/ وهذا القسم لهم أطروحات وشروحات يحدوهم فيها النية الصادقة ومطلبهم النبيل هو خدمة كتاب الله تعالى وخدمة سنته صلى الله عليه وسلم فهم عصفوا ذهنهم وحاولوا أن يدوروا حيث دار كتاب الله وسنة رسوله ولكنهم أحياناً يبعدون النجعة من واقع عاطفة ملتهبة وحماس مفرط، ولكن يكفيهم أنهم مجتهدون، والمجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، إن هؤلاء أحيانا ينأون عن بغية الدين ومقاصده ولكنهم حسنوا النوايا. القسم الثالث/ هم كتاب كتبوا في الدين السلامي وكانت لهم أغراض سيئة يدسون السم في العسل، فأساؤوا إلى هذا الدين، ولكن نحمد الله أنهم قلة، وإن كان لقلمي مداد فهو يدور حول هذا القسم من الكتاب، فكتاباتهم قد أحدثت بلبلة في صفوف أبناء المسلمين، وأن ما كتبوه هو عبء على أرفف المكتبات فكيف بعبئها على الإسلام، فكم من إنسان زلت قدمه بسبب كتاباتهم، وعاش يتخبط في دياجير الظلام، ومع الأسف الشديد إن كتاباتهم يتناقلها أبناء الأمة الإسلامية جيلا بعد جيل فكبدتنا مشاكل شتى!! إنه يجب أن ترمي الأمة كتاباتهم وأن تنبذها نبذ النواة- وأن لا تعيرها اهتماما البتة فليست هي من الدين في شيء، فيجب على علماء الإسلام أن يتصدوا لها مصححين ومصوبين لتلك الشروحات والأطروحات التي تكاد أن تطمس معالم هذا الدين، إن مثل هذه الأطروحات والشروحات إذا وقعت في يد شخص غير متضلع بالعلم الشرعي الصحيح فإنها سوف تطوح به بعيدا وتدلف به إلى دهاليز الشك والظلام ومن ثم يشكك في هذا الدين وبمضامينه وأفكاره ناهيكم تلك الحالة التي يعيشها هذا الشخص في أتون الحيص والبيص!! فكم من شروحات وأطروحات تقدم طعونا مني بها الإسلام من قبل أصحاب هذا القسم، إن شباب الأمة الإسلامية اليوم يعيشون في حيرة خانقة، إذا والحالة هذه فإني أناشد علماء الإسلام من طنجة إلى جاكرتا أن يمحصوا هذه الكتب والمصنفات تمحيصا نتجاوز هذا الغث من الفكر، إن الأمة الإسلامية اليوم لا سيما علماؤها الأفاضل في أعناقهم طوق من المسؤولية الملقاة على عواتقهم في تصحيح هذا الفكر الغث، إن علماء الإسلام اليوم يملكون وسائل وأدوات لا سيما ونحن نعيش اليوم طفرة المعلومات والاتصالات، فيجب عليهم أن يجتمعوا جميعا ويعصفوا بأذهانهم فتتلاقح الأفكار تحت سقف واحد ويدققوا فيما وصل إلينا من تراث السابقين فالصواب يتبع والخطأ يحذر منه، كما يجب أن يملك علماء الإسلام الجرأة والثقة بالنفس ويكونوا غير هيابين فيلجوا في صميم هذا التراث ويزنوه بميزان كتاب الله وسنة رسوله فيخرجون منه ما انداح عن دائرة الصواب ومن ثم يخرجون بفكر خلاق يدلف بنا إلى دروب النور والهدى - إن علماء الإسلام اليوم يرددون مقولة ليست صائبة على إطلاقها فهم يقولون إننا لسنا أحسن من السابقين ولسنا أرفع كعبا من كعبهم ولا أطول قامة من قامتهم، وهذا الكلام ليس صحيحا على إطلاقه؛ فالله تعالى يقول في وحيه الطاهر: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الُْمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (1-4) سورة الجمعة- إن هذه الآيات الكريمة تبين لنا جليا أن الله تعالى يوجد آخرين يأتون بعد السابقين شأنهم شأن السابقين في الفكر والاستنباط فليست المعرفة قصرا على السابقين، ولا يملك مفاتيح العلم والاستنباط أحد -إن علماء الأمة اليوم يملكون أدوات ووسائل أحسن من تلك الأدوات والوسائل التي ملكها السابقون، إذا فلماذا الانكفاء على الذات وتحقيرها ونحن ولله الحمد نملك هذه الوسائل!! إن عدم الثقة بالنفس هي عقبة كأداء في مسيرة فقه إسلامي خلاق، إن، العالم اليوم يتماس مع بعضه البعض ويعيش في قرية واحدة بعد ثورة الاتصالات والمعلومات، فما يقوله زيد يطلع عليه مباشرة عمرو، ومن ثم يقف علماء الأمة الإسلامية مع بعضهم البعض، فلا يشط أحد وبجانبه علماء آخرون يصوبون له، وهذا عكس ما عليه علماء الأمس، فالعالم بالأمس يخطئ ويدون خطأه في كتبه بدون تصويب لعدم تصحيح العلماء الآخرين له، وأعتقد جازماً أن هذه هي الحيثية التي بها اجتررنا أخطاء السابقين بالأمس.. إن على الأمة الإسلامية اليوم لا سيما علماؤهم الأفاضل طوقا من المسؤولية في تبليغ مضامين وأفكار وأحكام هذا الدين، فالعالم متعطش اليوم ويعيش في خواء روحي وفكري يتخبط بهما في دياجير الظلام، إن الرقي الحضاري غير المسبوق اليوم والذي أحرزه العالم الغربي اليوم ومهما تصعد في سلم الحضارة إلا أنهم اليوم واليوم فقط عرفوا أن الإنسان ليس له من علاج ناجع يستريح به إلا دوحة الإيمان، إن الجوانب الروحية والأفكار التي تصون النفس البشرية الممزقة اليوم لن يتأتى لها الراحة والسعادة إلا في تعاليم الدين، إن العالم الغربي اليوم يعيش في إفلاس وتصحر فكري بسبب أن علماء الكنيسة عندهم نأوا عن اتباع ما عندهم من تعاليم دينية صحيحة ومن ثم زهدوا في دياناتهم، لأن رجال الدين عندهم جدفوا وهرطقوا وحذلقوا في تعاليمهم الدينية ومن ثم زهد أبناء الغرب في تلك الأديان، إذا هم اليوم بحاجة ماسة إلى من ينقذهم من دياجير الظلام، إن النفس البشرية الضائعة والمتمزقة في أتون الحضارة اليوم لنيلملم شتاتها إلا مظلة الدين القويم وتعاليمه، وكل هذا علمائي الأفاضل مناط بكم، ومسؤولن ومؤتمنون عنه أمام الله. وإني أحمد الله وأثني عليه أننا في بلاد الحرمين لدينا علماء أفاضل نافحوا بكل ما يملكون من أجل خدمة هذا الدين ونشره، فلهم منا الشكر والعرفان، وتدفع إرادتهم الحسنة تلك جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله الذي مافتئ قائما قاعدا يوصيهم بنشر هذا الإسلام وإيصاله لكل شخص تظله الخضراء وتحمله الغبراء، فله منا أجزل الدعاء وجعله الله تعالى في ميزان حسناته وأن يحفظه الله ذخرا للإسام والمسلمين، آمين.