يبدو أننا من أكثر الشعوب تناقضاً في «فلسفة اللمس» بين الأشخاص في الأماكن العامة!! فنكاد نكون الوحيدين في العالم الأكثر «تلامساً» بالأنوف أي «الخشوم» وبالأيدي؛ فهي ثقافة لا تفهم المجتمعات الأخرى أنها تعبر عن مدى ترابطنا، و»عطني خشمك» يراها الآخرون «تناقراً» وأمراً مقززاً!! بينما هي قمة الاحترام بيننا!! وقد تنهي «حبة الخشم» هذه خلافاً طويلاً أو تنجز أمراً متعسراً!! كما أننا أيضاً نتعرف على مدى قوة العلاقة والترابط بين صديقين أو رجلين في الشارع من خلال «تشابك» أصابع يديهما ببعضهما بعضاً!! وهما يسيران في دليل على مدى الحميمة والخصوصية بين الاثنين!! وهو ما قد يفسر عند بعض الثقافات الأخرى «شذوذاً»!! ممن يجهلون هذه الثقافة بأنها صور «تلامس ذكورية» صادقة في مجتمعنا تعبر عن مدى وعمق حبنا وتقديرنا لبعضنا وإن لم يفهمها الآخرون!! في المقابل ننكر صور ذلك الحب بين الأزواج!! ونراه أمراً غير مقبول اجتماعياً ومن «غير الذوق» أن يلمس الرجل أو يمسك بيد زوجته وهما في الشارع!! حتى قال البعض إن الزوج السعودي يسير في المقدمة «مُجلعد» أي مُتسارع الخطوات بعيداً عن زوجته حتى لا يقع في «شبهة»!! وكأنها «ناقلة نفط» يجب الابتعاد عنها لأمتار عدة!! يبدو أنها أزمة رومانسية مع هذا المخلوق اللطيف صنعناها بأنفسنا..؟! المنع لم يُكتفَ به في الأماكن العامة بل وصل للتضييق على مجرد التثقيف به أو الدعوة إليه حتى ولو عبر البرامج الدينية!! ففي حلقة هذا الأسبوع من برنامج «بيوت مطمئنة» على إذاعة القرآن الكريم، وبينما أنا مستمتع بحديث الدكتور خالد الحليبي مدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء وحواره مع مقدم البرنامج حول العلاقات الأسرية والحب باللمس بين الأزواج والابتسامة، والاستشهاد بذلك من حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى خرج علينا متصل اسمه الدكتور عبد العزيز الجهني مداخلاً ومعاتباً المقدم!! يقول: أنت في إذاعة أناس صالحين وصالحات؛ كيف تقول لمس يد الرجل لزوجته؟! وحديث الرجل مع المرأة سواء كان حلالاً أو حراماً!! رافضاً مثل هذا الطرح ومطالباً بأن يبقى الأمر سراً ولا يطرح في إذاعة القرآن بحكم «الخصوصية» بين الزوجين!! ثم يقول كيف تطالب الرجل بأن يبتسم كلما دخل بيته؟! الناس ليسوا سواسية!! تريدون أن تخربوا بيوت الناس بدلاً من إصلاحها؟!! تريدني أن أبتسم كلما دخلت بيتي، تجعلوننا مثل أبطال الأفلام والمسلسلات؟! ومقدم البرنامج الدكتور عادل آل عبدالجبار يرد: ما لنا وما لهذا يا شيخ؟! نحن نتحدث عن فعل الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ونقدم علاقتنا الأسرية بالدليل الشرعي من القرآن والسُّنة!! حقيقة إنه أمر عجيب؟! التحدث عن الحب والرومانسية بين الأزواج وطرحه بالأدلة الشرعية، ومن «أناس معتدلين»، وفي إذاعة القرآن الكريم أمر غير مقبول؟! وممنوع برأي البعض؟! إذاً مَنْ يطرح مثل هذه الآداب والثقافة في علاقة الزوج بزوجته وبشكل منضبط ورزين؟!! أنترك الأمر لقنوات وافدة من مجتمعات مختلفة عن مجتمعنا ديناً وسلوكاً؟! لتقدمه بسلوكيات إيحائية ومخجلة؟! لا تحجروا واسعاً يا رعاكم الله.. وليتطور طرحنا عبر برامجنا الدينية؛ ليشمل مناحي الحياة بشكل عصري وجذاب!! من حق الآخرين أن يتصوروا أن الشاب والزوج المسلم، والسعودي خصوصاً، خال من المشاعر ولا يجيد الرومانسية أو التعبير عن حبه لزوجته!! إذا كنا نرفض مثل هذا الطرح في إذاعاتنا!! وفي هذا ظلم كبير لشبابنا بينما ديننا الحنيف وسيرة نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم مليئة بصور الحب والوفاء والرومانسية العطرة بين الأزواج، وتغنينا عن ألف نظرية علمية في الحب، ولا أدل على ذلك من فلسفة «الحب باللمس» التي لا تروق للبعض!! وعلى دروب الخير نلتقي.