كشفت وثيقة أعلن عنها الثوار الليبيون من ملفات قائد الثورة، وعميد الرؤساء العرب، وملك ملوك إفريقيا، وإمام المسلمين، (معمر القذافي) كما يصر على أن يُسمي نفسه، عن بعض الأسماء الإعلامية التي كانت (تقبض) من العقيد؛ وكان اسم (عبد الباري عطوان) الإعلامي والكاتب الفلسطيني المقيم في لندن على رأس القائمة. بصراحة لم أستغرب أن يقبض عطوان ثمناً لقلمه؛ فقد عوّدنا كثير من الكتَّاب على أنهم إما أقلام تُستأجر، أو أفواه تُستأجر، وفي زمن مضى كان منهم أيضاً مسدسات للإيجار كأبي نضال مثلاً. لبنان تحديداً ممتلئة بهذا النوع من الكتاب المرتزقة، وكلٌّ له مواصفاته؛ وهذه بالنسبة للإعلاميين العرب حقيقة معروفة وشائعة. الذي فاجأني حقيقة أن يكون عبد الباري عطوان بهذا (الرخص)؛ فحسب الوثيقة كان ثمنه 4000 دولار شهرياً لا غير؛ وهذا في تقديري سيُحرج كثيراً من الكتاب والإعلاميين العرب، ممن يتقاضون من آخرين عشرة أضعاف وربما أكثر مما يتقاضاه هذا الأجير منخفض الثمن. غير أنني أتوقع أن هذه (المكرمة) كما هي الصفة التي ذكرتها الوثيقة، كانت ثمناً لسكوته عن نقد نظام العقيد، في حين لو طُلب منه (التطبيل) والدفاع عن النظام فإن السعر فيما أظن سيرتفع قليلاً. سقوط عبد الباري عطوان (المدوي) لن يكون في تقديري الأخير، فهناك أقلام كثيرة ستكشفها هذه الثورات، وستسقط، وسيتضح قريباً، وقريباً جداً، أن الإعلام العربي ينخره سرطان الفساد والرشوة وشراء الضمائر حتى العظم، وأن تلك الأقلام التي تدعي النزاهة، والاستقامة، وتتاجر (بالقضية) الفلسطينية، فتنتقد هذا، وتُخوِّن ذاك، ما هي إلا أقلام لا تمت للأمانة والنزاهة ومسؤولية الكلمة بصلة. النظام العربي الوحيد الذي كان يعرف كيف يتعامل مع هذه النوعية من الكتاب (بأسلوبهم)، دون أن يرضخ لابتزازهم كان النظام السوري في عهد حافظ الأسد. يُروى أن أحد الكتاب اللبنانيين في الثمانينيات من القرن المنصرم حاول أن يبتز النظام آنذاك بكتاباته، فاختطفه وقتله، ومثل بجثته، وسلخ يده اليمنى التي كان يكتب بها، ورماه في أحد أحراش لبنان، في إشارة أدركها الكتاب المرتزقة جيداً، فلم يجرأ بعده أحدٌ على أن ينبس ببنت شفة تجاه نظام حافظ الأسد؛ وبقي هذا الخوف مسيطراً على الكتاب اللبنانيين حتى اليوم؛ فما إن يتصل بأحدهم التلفزيون السوري يطلب مشاركة، أو (فزعة)، حتى ينبري للدفاع عن (بشار) العروبة، حامي حمى القضية، وزعيم (الممانعة) الأول، والقائد الذي تحاك لإسقاطه المؤامرات؛ ثم ينتقل ليقول في بشار، وألمعيته، وتميزه، وذكائه، ورغبته الصادقة في الإصلاح، ما لم يقله المتنبي في سيف الدولة؛ والسبب أنهم يعرفون جيداً أن اللعب والتذاكي مع هذا النظام، وعدم الرضوخ لأوامره، يعني أن مصير زميلهم الكاتب المسلوخة يده في عهد الأب، أو مصير الطفل حمزة الخطيب في عهد الابن، سيكون مصيرهم. لذلك كان الدفاع عن النظام السوري في قواميس إعلاميي العرب (المرتزقة) بمثابة خدمة العَلَم؛ أي أنها خدمة دون مردود. وأتذكر أن إعلامياً لبنانياً كان في المجالس الخاصة لا هم له إلا الشتم في بشار ووالده ومخابرات النظام السوري؛ وكان يحكي من القصص عن ما يزعمه عن جرائمهم في لبنان ما تشيب له الولدان. وما إن اتصلت به إحدى القنوات الفضائية السورية، حتى كال من المديح لنظام (الممانعة)، والمقاومة، وقال في الرئيس الأسد، ما لم يقله حتى ابن خاله رامي مخلوف في ابن عمته. وفي تقديري أن أول المتضررين مما يحصل من متغيرات في العالم العربي هم الكتَّاب المرتزقة من الإعلاميين والكتاب المستأجرين. إصلاح الأنظمة العربية من الداخل كما تُطالب شعوبها، سيجعلها حكماً ليست في حاجة لأن يدافع عنها أحد؛ لا عبدالباري عطوان ولا غيره، وبالتالي فإن ما يُسمى بالربيع العربي سيكون جفافاً وجدباً سوف يضرب برك هذه (الطحالب)، ويُفقدها القدرة على الحياة. إلى اللقاء.