اليوم لي، وقد كان البارحة القمر هلالا.., وعيناي ترقبان شموخه يا نوارة يطل من منافذ الإسمنت،.. وهي تنظر من وربة الباب تنتظرني..، و أنا قد تأخرت قليلا, قبل ولوج باب بيتها,.. لم تكن تعلم أنني وقفت أنظر إليه كما كنتِ أنتِ تفعلين،.. دعوت أن يجعل الله مقدمه خيرا على الإنسان... حين يغمض عينيه لينام.., ومتى يفتحهما لينشر.. حملت هلاليته كل الأماني المعتلجة في صدري: سلاما يعم الأرض..., وأن تغدو كل البلاد التي تقل أرضها نفَساً يترطب بذكر الله,.. ربيعا دائما.. تذكرت وأنا أدعو يا نوارة.., ما قاله أوباما في الأمس: «إن الربيع الذي يعم تونس, ومصر, واليمن, لابد أن تدعمه بلاده»...!! أي ربيع هذا الملطخ بالدماء..., الملتحف الأكفان...، المواري الثرى أجساد الأطفال..؟... الهاتك خبايا تجرح النفوس..، وتُفجع اطمئنانها..؟ أي ربيع.., والبراقع قد انحسرت عن أوجه عديدة للخبايا..؟ دعوت وأنا أترك الهلال في محاره يطل بنوره الفضي على منافذ الأرض..., لأجيب انتظارها، بعد آخر جملة في أمنياتي..، ورجاءاتي..., وابتهالاتي،.. كنت على ثقة بأن السماء مشرعة, وستزخر بإجابات القريب الواعد بها، هذا الرب الرحيم, حافظ القمر أن يسقط..., والنجم فلا يختفي..., محيط بالأسئلة حيث تظهر.., أو تتوه... جئتها محملة بعبقكِ...، وهي تعد الدمعة.., والأخرى..., ثم تجمعها في محبرة.., ثم تهبها لحارس الكلام،... مانح الرسم على أديم الورق.. رسول البلاغ.., تذكرت يوما من أيام طفولتي, حين كنتُ أعبيء المحبرة من ماء البحر..., ثم أبكي, حين لا يرسم القلم كلمة واضحة، بعد أن أعبئه منها،... وكنتِ تربتين على رأسي, تسألينني أن أدرك أن الماء الشفيف، إن لم يمزج بلون غير لونه, فهو لن يظهر حروفي،... وحروفي حين ذاك، كلام لكِ نوارة، يبدأ ب»أمي»، ولا ينقطع عُقده ب»دمتِ»،... ذهبتِ أمي,... ولن تسمعي أبدا ندائي..., غير أنكِ دمتِ في كل مفاصل الحياة..، والثانية والساعة،... ومواسم الازهار والخريف...، ومواقد الشتاء... وسمر الصيف وأنتِ حنطةُ رغيفِ ورقي..., وماءُ رواءِ محبرتي.. جئتها, لأجدها على مقعد الانتظار...، تبكي غيابكِ.. تبكي غيابها.., تمد كفيها لتحتوي كفيَّ، وتشهق بالدعاء.. قلت لها يا نوارة، إنني تأخرت عنها قليلا, لأودع في مرآة القمر, وهو هلال، كثيرا من تلك الأماني، التي تعلمتها منكِِ، حين لم تكن أمنياتكِ، غير دعوات لمن تعرفين ولمن لا تعرفين.. تخيلت الهلال يبتسم...، حيث لم يكن لدي تفسير لهذا..., إلا أن ما استقر فوقه من نظراتكِ، قد فعل بالتي مني.., وهو آية في السماء لرب السماء.. وصوتكِ يمرق بي..., وأنتِ تؤكدين استجابة الله: (اللهم اجعله هلال خير..، اللهم عمم خيره على خلقك، واجعلهم في سلام..) جلست إليها في خضم الدعاء...ووحي الشوق.. حتى آخر قطرة في بلسم فقدها.. ثم مسحت على وجهها الذي كوجهكِ.. وأدركتُ أنها الباقية الوحيدة التي تشبهكِ رحمكِ الله نوارة، كنتِ مدرسة للحياة... وكان القمر في هلاله ملهما لدمعكِ ورجائكِ.. فما نقول في مستهل شهورنا..؟ والغيوم تتلبد في فضاءات الصبر, والترقب، والأمنيات البيضاء..؟