طافت بي الذكريات، ذكريات تحمل عبق التاريخ، إنها ذكريات وأشواق التهبت في صدري عندما مررت على مبنى (معهد الرياض العلمي)، توقفت عنده، واسترجعت سنوات عديدة نهلت من خلالها علماً نافعاً، في ذاك المعهد حتى غادرته قبل خمسة وعشرين عاماً. وبعد أن أقلعت تلك الذكريات، وهبطت على أرض الواقع، حاولت أن أربط بين ما أقلع من ذكرياتي، وما هبط من واقع، وربطته بما تعيشه مملكتنا الغالية هذه الأيام في الذكرى السادسة لتولي إمامنا إمام المسلمين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، حفظه الله، لمقاليد الحكم في بلادنا السعودية الغالية، رأيت بوناً شاسعاً بين ما كان وما صار، فرق بين البدايات وما آلت إليه، رأيت وطناً يسير بسرعة تسابق الزمن في جميع المجالات، جهد وفكر وبذل بلا حدود، فإذا نظرنا إلى المجال التعليمي، فالتعليم العام بمدارسه المنتشرة، والتعليم العالي بجامعاته، والفني والتقني بمعاهده وكلياته، وخاتمتها جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، ذلك الصرح العلمي العظيم، ثم ما وصل إليه برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، كذلك نرى عناية فائقة بكتاب الله الكريم، وبالحرمين الشريفين وبيوت الله كافة، مع الاهتمام بكل ما يخص المواطن في ظل تنمية شاملة، وفي المحيط الخارجي تشارك المملكة بالمنظمات الدولية، ولديها التأثير في القرارات الدولية، ولها اليد الطولى في المساعدات الإنسانية، في ظل سياسة متزنة ثابتة. وإن توقفنا في مجال حديثنا عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ماضياً وحاضراً، فها أنا أقف على (بذرتها) وأصلها وهو معهد الرياض العلمي، والذي تم افتتاحه عام 1370ه بأمر من الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، وبإشراف مباشر من سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله. معهد كان وحيداً، وبعدها انتشرت المعاهد العلمية حتى وصلت إلى بضع وستين معهداً منتشرة في أرجاء المملكة، معاهد أصبحت شمعة في طريق العلم، شمعة زاد إشعاعها حديثاً بعد أن شملت الدراسة فيها كافة التخصصات قديمها وجديدها. وفي التعليم الجامعي نجد إضاءاته الأولى عام 1373ه عندما تم افتتاح كلية الشريعة، كلية تولد عنها جامعة عريقة، فيها عدد من التخصصات، ومع النظرة الشمولية، وبعد أن كانت الجامعة مقتصرة على التخصصات الشرعية والعربية والاجتماعية، تعددت تخصصاتها، فمع محافظة على ريادتها في العلوم الشرعية شقت طريقها للتميز في العلوم الحديثة، ليصل عدد كلياتها إلى أحد عشر كلية شرعية وعربية وإعلامية واجتماعية ولغوية إضافة إلى العلوم الحديثة من طب وحاسب واقتصاد وإدارة وهندسة، تضم عشرات الأقسام العلمية، ومعهداً عالياً للقضاء لإعداد القضاة والباحثين، ومعهداً لتعليم اللغة العربية إسهاماً في تعليم غير العرب من المسلمين لعلوم العربية والتي تعتبر أساساً لتعلم أمور الدين الإسلامي، إضافة إلى ريادة الجامعة في الدراسات العليا. واهتمت الجامعة بمجتمعها، فلم تنس (النصف الآخر) فهاهي مدينة الملك عبدالله بن عبد العزيز للطالبات، والتي تستوعب عشرات الآلاف من الطالبات في شتى التخصصات، من خلال بيئة تربوية متميزة. ومن ضمن الاهتمام بالمجتمع بكل شرائحه، واستشعاراً من مسؤولي الجامعة بأهمية العلم للجميع، وتقديراً لظروف من لم يستطع التعليم الجامعي لظروفه الاقتصادية أو الأسرية أو موقع سكنه أو تقدم سنه، أو امرأة لها ظروفها، واستغلالها لما أفاء الله من العلم على بني آدم من علوم تقنية حديثة، لكل ما سبق أصبح للجامعة قصب السبق في مجال التعليم عن بعد، فهاهم الموظفون وربات البيوت ومن لهم عذر، ينهلون من العلم الجامعي، ويحققون أهدافهم ورغباتهم وأمنياتهم عبر ذلك الطريق. وللجامعة مشاركات فعالة في النشاطات المحلية والدولية، إضافة إلى عقد المؤتمرات والندوات واللقاءات تنظيماً لها، أو مشاركة فيها، في الداخل والخارج، تشارك فيها حسب أهدافها ورؤيتها. وفي مجال العالم الإسلامي أصبحت الجامعة كالشمس التي تطل على كل مكان في العالم، وذلك باستضافة طلاب المنح من الدول الأخرى، ينهلون من العلم النافع، ليعودوا وينشروا ما تعلموه في أوطانهم، إضافة إلى افتتاح عدد من المعاهد والمراكز في الخارج، من أجل أن تكون الجامعة لبنة خير ونماء في تلك البلدان. وبعد.. ما كانت لتكون هذه الجامعة لولا فضل الله سبحانه وتعالى، ثم جهود قادة هذه الدولة المباركة بدءاً من مؤسسها والذي أصدر أمره بإنشاء نواة الجامعة الملك عبدالعزيز، رحمه الله، ومروراً بملوكها الكرام سعود وفيصل وخالد وفهد، رحمهم الله جميعاً، وما هي عليه الآن من اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، ومتابعة من وزارة التعليم العالي، وجهود مباركة مباشرة من إدارة الجامعة ممثلة بمدير الجامعة والوكلاء والهيئة الإدارية والتدريسية والأجهزة المساندة. وفي الختام.. هذا غيض من فيض، مشاعر عابرة لجامعة عريقة نهلنا من علمها، بعد أن وقفت على عتبة من عتبات التاريخ، تاريخ عاصرته قبل خمسة وعشرين عاماً، وتاريخ للوطن لما يربو على ستين عاماً، إنه (معهد الرياض العلمي) نواة (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية).