أرادت أن تحتفل بعيد ميلاده الأربعين بطريقة مختلفة هذا العام، خاصة وهي ترى الحالة النفسية السيئة التي وصل إليها بعد أن علم منذ شهرين بإصابته بمرض السكري.. قالت وهي توقظه من النوم على رائحة العود والطيب وخبز الفرن الذي يحبه: كل عام وأنت بخبير يا أعظم رجل في الدنيا. ابتسم، وعانقها بحميمية: وأنت بخير يا أجمل زوجة في الدنيا. اتفقت معه وهي تودعه عند خروجه للعمل ألا يتأخر في العودة إلى البيت ظهراً؛ لأنها قررت عدم الذهاب إلى المدرسة هذا اليوم من أجل التحضير لاحتفال مميز كانت قد جهَّزت له مسبقاً. في تمام الثانية عشرة ظهراً كان قد عاد إلى البيت. فتحت الباب وهي في غاية الأناقة والجمال، هذا ما قاله لها، ثم استرسل: ما شاء الله، تملكين هذه القدرة الهائلة على التزين بالمساحيق وعمل التسريحات الجذابة وتذهبين إلى المزينة في المناسبات والسهرات؟! ابتسمت شاكرة له على إطرائه، ثم قالت مصحِّحة معلومته: شكراً لك - يا عزيزي - على هذا الإطراء، لكن تسريحتي وماكياجي من عمل المزيِّنة. نظر إليها مشدوهاً، وقال بغضب: هل ذهبتِ إلى المزيِّنة؟ ابتسمتْ بعفوية: نعم، ذهبت؛ حتى أتزين لأجمل مناسبة في حياتي. رد معنِّفاً: مَنْ الذي أوصلك إلى هناك؟ أجابت بلطف: عبدالملك الباكستاني الذي يوصلني كل يوم لعملي. صرخ معنِّفاً: تذهبين مع الباكستاني إلى المزيِّنة؟! أجابت مهدِّئة من روعه: ما المشكلة - يا عزيزي - هو يأخذني لعملي من شمال الرياض إلى جنوبه كل صباح، والمزيِّنة هنا في الحارة، أقرب من العمل؟ أرجوك لا تصنع من الحبَّة قُبَّة. نظر إليها متأففاً، وقال: سوف أتجاوز معك هذه المرة، لكني أتمنى ألا تتكرر؛ لأن الفكرة لم تعجبني أصلاً. ابتلعت ريقها بصعوبة، وقالت مطمئنة: حسناً أعدك ألا تتكرر. دخلت المطبخ، وجهَّزت كوب العصير الطازج الذي يحبه، ثم وضعته وعِلْبة الهدية التي أحضرتها على الطاولة بالقرب منه، قالت وهي تفتح العلبة: أغمض عينَيْك، ثم ربطت الساعة على معصمه، وطلبت منه أن يفتح عينيه. نظر إلى الساعة، وقال مثنياً على ذوقها الرفيع: ساعة جميلة لولا سوارها السيراميك! تورد خدَّاها من الخجل وهي تجيب: ظننت أن فكرة السيراميك ستعجبك؛ لأنك - كما أعلم - تكره الجِلْد، وتزعم أنه يُذْهب بريق الساعة. أجاب مؤكداً: نعم أنا أكره الجلد، لكن سيراميك هذه الساعة يُذكِّرني بساعات البطحاء. فوجئت بشدة من موقفه، لكنها تمالكت نفسها وأجابت مؤكدة بألم: أقسم لك أنها من (الدهام)، وأنت تعرف مستوى ساعاتهم!! قهقه ببلادة وهو يجيبها: «أجل انحط ذوقهم، أو لعلهم يتفادون الأزمة المالية العالمية باختيار خامات (سكة) للساعات». كظمتْ غيظها وهي تسمع جملته الأخير، ثم قالت مغيِّرة الموضوع: «اشرب العصير، وبرّد على قلبك». في الثانية ظهراً دخلت إلى الحجرة، ولبست عباءتها مستعدة للخروج. نظر إليها متفاجئاً: خير - إن شاء الله - إلى أين؟ ابتسمت وهي تمسك بيدَيْه وتشدُّه ليستوي واقفاً: ألا تريد أن تتناول طعام الغداء؟ لقد جهَّزت لك غداء صحياً فاخراً بهذه المناسبة السعيدة في مكان راقٍ. نظر إليها متعجباً: جهَّزتِ لي طعاماً خارج البيت؟ ابتسمتْ بلطف وأجابت موضِّحة: لم أجهِّزه أنا شخصياً، لكني طلبت من المطعم تجهيزه، وحجزت طاولة، وتورتة ومفاجآت.. قاطعها معنِّقاً: نعم، نعم - يا هانم - لم أفهم؟! هل تعنين أنكِ اتفقتِ مع المطعم هكذا من دون احترام للرجل الموجود في البيت؟ ثم استرسل بعصبية: «ذهبتِ للمطعم مع الباكستاني، أكيد؛ لأني طرطور في هذا البيت». أجابت مهدِّئة من عصبيته: لم أذهب إلى المطعم، صدقني، فقط اتصلتُ بهم هاتفياً، وحوَّلت المبلغ على حسابهم. أردت أن تكون مفاجأة لك. صرخ بعصبية: مفاجأة!! صحيح مفاجأة!! هذا يوم المفاجآت السيئة فيما يبدو؛ فزوجتي المحترمة تتجاوزني كأني غير موجود، وتتفق مع المطعم بدون علمي، وتذهب مع السائق بدون إذني؟! أكيد مفاجآت؛ لأنها لم تكن لتخطر على بالي مطلقاً!! نظرتْ إليه باستسلام: ما الذي تريده الآن؟ لستُ أفهم، هل تريد أن تلغي حجز الطاولة؟ صرخ مُعنِّفاً: هذا سؤال يا مدام؟ أكيد سوف ألغي الحجز، ولا تحاولي مرة أخرى أن تتعاملي مع الرجال بهذه الانفتاحية، ما دمتِ على ذمتي فأنت ملكي، وليس لك أن تتصرفي بتحرر وكأني غير موجود. لم تُعلِّق على كلامه، لكنها تذكرت وهي تخلع عباءتها محبَطَة بائسة اتصالها كل ليلة بالسوبر ماركت من أجل طلبات البيت، أو بالمطعم القريب، وعودتها من مواعيد المستشفى في سيارات (الليموزين) حين يرفض مديره أن يمنحه إذناً بالخروج و... و...