عقد الأسبوع الماضي مؤتمر التأمين الطبي السعودي، برعاية معالي وزير الصحة، وكان المؤتمر فرصة مواتية لمناقشة قضايا التأمين الصحي والاطلاع على بعض التجارب الدولية التي شارك بها المتحدثون من خارج المملكة. ومن أبرز إيجابيات المؤتمر مشاركة معالي وزير الصحة في إحدى جلساته والتواجد الدائم لسعادة وكيل وزارة الصحة للتخطيط والتطوير، المعني بهذا الملف، فمثل ذلك الحضور منح الجدية للمؤتمر وأتاح الفرصة للتعرف على توجهات وزارة الصحة في هذا الموضوع. وهي توجهات برزت في اختيار المشاركين وفي أوراق العمل التي مالت كفتها لصالح نوع محدد من التأمين الصحي. للأسف إن تجربتنا المحلية في التأمين بلغت عقداً من الزمان (صدر قرار إنشاء مجلس الضمان الصحي عام 1999م) ولم تقدم حولها أية دراسات معمقة علمية، كما أن الجهات الفاعلة في تلك التجربة لم تكن حاضرة بالشكل الكافي وأهمها القطاع الصحي الخاص والقطاع الاقتصادي - المالي المعني بصناعة التأمين، وبالتالي كان الحديث عن تجربتنا إما انطباعات أو إسقاطات عامة تفتقد الدقة والموضوعية. التأمين الصحي في المملكة لم يعد خياراً بل واقعاً تفرضه آليات السوق الصحي السعودي، حيث بلغ عدد المستفيدين من التأمين الصحي أكثر من ثمانية ملايين شخص (8.3 مليون حسب الإحصائيات التي قدمها مجلس الضمان الصحي) وتجاوز مجرد التأمين على غير السعوديين إلى التأمين على السعوديين العاملين في الشركات الكبرى. ولم يعد حكراً على المؤسسات الصحية الخاصة بل أصبح القطاع الصحي الحكومي يستفيد من كعكته بشكل مباشر عبر برامجه العلاجية بأجر، أو بشكل غير مباشر عبر تخفيفه الضغط على القطاع الحكومي. التأمين الصحي يعتقد أنه أسهم في نمو القطاع الصحي الخاص بشكل كبير في السنوات الأخيرة حتى وصلت مشاركته إلى نسبة تقارب الثلاثين في المائة من المساهمة في الخدمات الصحية. وتشير التقديرات إلى أن التأمين الصحي أصبح يسهم في ما يقارب 60% من مصادر الدخل بالمؤسسات الصحية الكبرى بالقطاع الخاص. هذه المساهمة يعتقد أنها ستنمو حينما نعلم أن هناك مشاريع صحية خاصة كبرى تنتظر التسهيلات الرسمية للبدء في قيامها. السلبيات الرئيسية التي يخشاها المتوجسون من التأمين الصحي الحالي هي صبغته التجارية التي يخشى أن تقود في حال تعميمها إلى وجود فئة لا تجد الغطاء التأميني اللازم ويتم التمثيل هنا بالنظام الصحي الأمريكي، إضافة إلى نوعية الأمراض والحالات التي يغطيها التأمين وعدم شمولها الأمراض المزمنة والمستعصية وغيرها. الخطوة القادمة في هذا الشأن تتمثل في إمكانية تطبيق التأمين على كافة المواطنين، وفي هذه الحالة لا يمكن الاكتفاء بنموذج التأمين في صيغته التجارية الحالية، والمتمثلة في تأمين أرباب العمل على موظفيهم، لأن ذلك سيبقي فئات دون غطاء تأميني كما أن القطاع الحكومي سيكون أمامه خيارات أخرى للتأمين على موظفيه وعلى الفئات الاجتماعية الأخرى. من هنا تطرح بدائل أخرى مثل التأمين التعاوني أو التكافلي أو الاجتماعي. بغض النظر عن المسميات فإن مبدأ التأمين يبدو خياراً مهماً مع اختلاف الجهة المعنية بتمويله. أياً يكن الخيار الذي تتبعه وزارة الصحة، فإن التحدي الأكبر أمامها هو تطوير التشريعات والنظم المختلفة في هذا الشأن التي تضمن الجودة وتقلل الهدر الاقتصادي وتكفل توفر الخدمة الصحية المناسبة للجميع. لقد طرحت أفكار وخطط سابقة في هذا الشأن ومنها إستراتيجية رفعت لمجلس الوزراء عام 1429ه، يفضل الاستفادة منها وعدم العودة لنقطة الصفر بالتشكيك في ما هو قائم دون إيجاد بديل واضح أو قضاء سنوات أخرى بحجة الدراسات والإعداد لمزيد من الخطط..