لا يعرف كثير من الوحداويين (اليوم) بصفة خاصة والرياضيين بشكل عام في العاصمة المقدسة طريقة وأسلوب إقامة المباريات النهائية في كرة القدم وكيفية أدائها، على الرغم من وجود فريق عريق (تاريخي) له بصمة بل له الأولوية في اللعب على النهائيات وتحقيق البطولات، والسبب في هذا الجهل هو ابتعاد نادي الوحدة عن النهائيات؛ وبالتالي عن البطولات منذ قرابة أربعين عاماً، لم يصل خلالها إلى أي مباراة نهائية في كرة القدم، رغم أن الفرصة أتيحت أكثر من مرة لذلك، سواء في السابق وفي كل طرق بطولات الكؤوس، أو حتى في السنوات الأخيرة في نظم البطولات المحلية؛ فالفريق كان قاب قوسين أو أدني في عام 1410ه من الوصول إلى نهائي الكأس، وفرّط في الفرصة في مباراة نصف النهائي أمام التعاون، والمباراة كانت على أرضه وبين جماهيره، وقبل أربع سنوات كان أحد أطراف (المربع الذهبي) في كأس دوري خادم الحرمين، قبل أن يخسر أمام الاتحاد في جدة. التفريط في الفرص هو ما جعل المدة تطول، والفرحة لا تأتي (على الأقل) بالوصول إلى نهائي بعد كل هذه السنوات الطويلة، ولأن من جدّ وجد ها هي الفرصة سنحت للفرسان من جديد على طبق من ذهب، بوصول الفريق إلى نهائي كأس سمو ولي العهد؛ حيث يلاقي فريق الهلال يوم الجمعة القادم، ولم تعد المسألة مجرد وصول وإنما تجاوزت ذلك بمكرمة سمو ولى العهد، وموافقته على تحقيق الرغبة والحلم الوحداوي بإقامة المباراة على استاد الملك عبدالعزيز بالشرائع بمكة، وهو الاستاد العتيق الذي يعود تاريخ إنشائه إلى أكثر من ثلاثين عاماً، وبدأ في استقبال المباريات منذ قرابة 29 عاماً، وحدث ذلك لأول مرة عام 1982م، حيث احتضن العديد من المباريات الكبيرة والفرق المحلية والخارجية، وأُقيم عليه نهائي بطولة التضامن الإسلامي الأولى الذي جمع بين منتخبنا الوطني ومنتخب المغرب الشقيق، وانتهى بفوز الأخضر وتحقيقه الميدالية الذهبية في تلك البطولة. الذكريات المدوَّنة في سجلات الاستاد كثيرة جداً، بعضها مفرح، وبعضها محزن للوحداويين، غير أن أهم ذكرى ستبقى هي - بلا شك - مباراة يوم الجمعة القادم، والنهائي (المنتظر) الذي اشتاق له وانتظره الوحداويون كثيراً، وهو النهائي الحلم، ليس فقط في لعب وأداء المباراة، وإنما تسجيل (ذكرى) مشرفة وكتابة اسم الفريق ولاعبيه بمداد من ذهب في سجلات البطولة، والتسجيل هنا لن يكون للاعبي الفريق وحدهم، ولا للجهازَيْن الإداري والفني فقط، وإنما هو للوحداويين، بل للرياضيين المكيين الذين سيسعون إلى تسجيل الحضور من خلال الوجود والتدافع بكثافة وملء المدرجات عن بكرة أبيها، وتقديم (رسالة) حضارية واجتماعية ورياضية وسياسية في الوقت نفسه لما يحمله كل رياضي ومواطن في مكةالمكرمة (مثلها مثل المدن والقرى والهجر كافة) لبلاده وقادته، في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة، والتي ظهر فيها الإنسان السعودي بصورة مختلفة وهو يؤكد ولاءه وتماسكه وتعاضده مع قيادته، وكان الرياضيون في مقدمة مَنْ حمل لواء تلك الرسالة، وجاهر بها، وتقدموا الصفوف وهم يعلنونها، ظهر ذلك في كل الملاعب والاستادات والمناسبات الرياضية، بما فيها استاد الملك عبدالعزيز بالشرائع نفسه في أول مباراة أُقيمت مع ارتفاع حمى وطيس الأحداث في المنطقة، غير أن مناسبة الجمعة ومباراة الكأس والنهائي تختلف اختلافاً كلياً؛ ولذلك فإن الرسالة يجب أن تكون أيضاً مختلفة وبليغة وتتجاوز الحدود؛ لتصل إلى كل بقاع العالَم، ويكفي أنها تنطلق من أرض الحرمَيْن الشريفَيْن، لتؤكد وتبصم على الواقع الذي أصبح قاعدة عامة وشاملة وصورة واحدة في كل شبر من ثرى هذه الأرض، صورة التماسك والتعاضد والتقاء القمة والقاع في فرصة ذهبية أتاحتها لنا القيادة السياسية والرياضية في يوم من أيام عرس الرياضة والرياضيين. الفوز لمن؟ الإجابة عن سؤال لمن الكأس؟ عندما يُطرح تكون واحدة على أغلب إن لم يكن كل الألسن: الفوز للهلال؛ فهو فريق متمرس، وهو الفريق الأقوى والأفضل، والمرصع بالأسماء والنجوم، والأكثر قدرة على التعامل مع المباريات الكبيرة، ويتفوق في الخبرة والدراية والتعامل مع المباريات الحاسمة والنهائيات الكبيرة، وبالتأكيد فإن النهائي سيكون صعباً، وصعباً جداً للفريق الوحداوي لاعبيه الشبان وخبرتهم الضعيفة، غير أن وصول الفريق إلى النهائي حقق المراد والمطلب، وسجّل خطوة متقدمة للاعبيه في مشوارهم الكروي، وهذا يخفف الضغوط التي يمكن أن تواجههم وتتيح لهم اللعب بارتياح، وربما الوصول إلى الهدف؛ فالكرة ليس فيها مستحيل، ولن يعجز لاعبو الفرسان إذا ما استشعروا المسؤولية، واستحضروا أدواتهم وإمكانياتهم، وهيؤوا أنفسهم لتحقيق المفاجأة الكبرى بالفوز والحصول على لقب بعد أربعين عاماً من آخر نهائي لعبه الفريق، لكن ذلك يتطلب جهداً كبيراً ومضاعفاً طوال وقت المباراة، وهو فقط تسعون دقيقة، تفصل بينهم وبين تحقيق، لا أقول الإعجاز، وإنما الإنجاز التاريخي، إذا لم يكن لمدينتهم المقدسة ولا لناديهم العريق فعلى الأقل لأنفسهم وسجلهم الشخصي، وسيدخلهم ذلك التاريخ ويدوّن أسماءهم في سجلاته بمداد من ذهب، بل إن ذلك سيكتب تاريخاً جديداً للبطولات السعودية، ويصنع لها خارطة جديدة بأقدام لاعبي أول فريق سعودي دخلت البطولات والكؤوس إلى دواليبه. كلام مشفر من حسن حظ الوحدة والهلال وصولهما إلى النهائي الأول والكبير في ظل الأوضاع الحالية؛ ليكونا (سفيرَيْن فوق العادة) للرياضة والرياضيين في يوم اللقاء الكبير؛ فهنيئاً لهما بالنهائي، وهنيئاً للنهائي بالفريقين التاريخيين، في مباراة ليس فيها خاسر. وصول فريق الوحدة إلى نهائي بطولة كأس سمو ولي العهد ليس غريباً ولا مفاجئاً؛ فالوحدة أحد فريقين صنعا بدايات المنافسة في الكرة وتاريخ البطولات في الرياضة السعودية. الاتحاد والوحدة كتبا تاريخ الكرة السعودية والمنافسة في بطولاتها، أحدهما كتب الحروف، والثاني وضع النقاط عليها، ومن بعدهما بدأت الفرق الأخرى تفهم وتدخل وتقرأ البطولات.