ما تتمتع به الساحة التشكيلية السعودية من مكانة دولية يعد مبعث فخر للمنتسبين لها وللمثقفين عامة ومصدر إعجاب للمتابعين من عامة الجمهور الذي بدأ يتابع ويحرص على حضور المعارض والمناسبات التشكيلية الرسمية أو الخاصة، هذا التفاعل لم يأت من فراغ بقدر ما اكتسبه التشكيليون عبر عطائهم المتميز والمتواصل بالحضور الفاعل في الواقع والحراك التشكيلي المحلي والعربي والعالمي، بدعم من الطرفين الرسمي والخاص مع ما يقوم به التشكيليون من جهود ذاتية استطاعوا من خلالها إثبات وجودهم على مختلف المستويات فكراً وتقنيات، ولنا في الساحة الكثير من الشواهد تحقق للفن التشكيلي فيها حضوراً مهماً تمثل في المشاركة ب(بينالي البندقية) ما يشكل أعلى مستوى عالمي في هذا المضمار جعلهم منافسين وليسوا تابعين لتجارب سابقة، مع ما شهد لهم من قدرات على كيفية الاستفادة من تجارب الآخرين وتوظيفها في منتجهم الإبداعي دون إخلال بالهوية أو الخصوصية التي تنبع من قيم وتقاليد وعادات متجاوزين بها كل الحدود ومحققين فيها الجوائز وشهادات التقدير. استحقاقات التشكيليين هذا التفوق في مسيرة التشكيليين السعوديين يستحق التقدير والاهتمام بخطوات أكبر وأكثر وصولاً إلى المنجز العالمي وليس العربي وإذا كنا نأمل في أن نرى مستقبلاً مشرقاً بوجود الجمعية السعودية للفنون التشكيلية التي لا تزال تتلمس خطواتها، فإن التشكيليين يطمعون ويطمحون في أكثر منها وعلى مستوى الوزارة دعماً لمشوار الجمعية القادم التي تعد الآن لعقد جمعيتها العمومية لتشكيل مجلسها الثاني في عمرها الذي لم يتجاوز الأربع سنوات تخللها بعض العثرات من جانب الدعم أو جانب فهم التشكيليين لمعنى الديمقراطية في الاختيار, وإذا كان هناك شيء من المطالب التي تعتمد على الدعم المالي فهي في استحداث مناشط قدمها مجلس إدارة جمعية التشكيليين السابق عوداً إلى رغبات التشكيليين عامة وهو إقامة ملتقى عربي تنطلق به الجمعية إلى خدمة التشكيل العربي لتنضم إلى الفعاليات المشابهة التي أصبحت بها المملكة رائدة على المستوى الدولي في مختلف المجالات العلمية والاقتصادية والثقافية والتي يعد الفن التشكيلي أحد روافدها. مطلب أزلي للريادة والمنافسة هذا المطلب أو الرغبة المتمثلة في تأسيس ملتقى للفن التشكيلي العربي في المملكة وليكن ملتقى الرياض التشكيلي، لم يكن وليد هذا المقال أو موضوع صفحتنا لهذا الأسبوع بقدر ما يشكل مطلباً أزلياً يرى التشكيليون فيه نقلة نحو توثيق مكانة الفن التشكيلي السعودي بمستوى يليق بما تحقق له في وقت تقام فيه فعاليات تشكيلية عالمية حطت رحالها في محيطنا الخليجي بدعم من دول قريبة لا تقل المملكة عنها في الإمكانيات المادية والبشرية بشيء، ومع ذلك استطاعت تلك الدول أن تسير خطوط بناء حضارتها بتوازٍ وتساوٍ في مختلف مناحي الحياة ومنها النشاطات الإنسانية ومن بينها الثقافة والفنون. جهد خاص وآخر رسمي وإذا كنا نطمع في تفاعل كبير وفرص أكثر تحقيقاً للحضور الدولي في مثل هذه المناسبات فإن علينا أيضاً أن نذكر جهوداً لا يمكن إغفالها بقدر ما تستحق التقدير والإعجاب والتي استطاعت أن تضع لها موقع قدم أو مساحة في ذاكرة من حضر فعاليات (آرت دبي) من مختلف دول العالم ولو كان هذا الحضور خارج حدود المعرض وفي قاعات لا تنافس قاعاته ولكن صدى تلك المعارض أدى دوره فقد أقيم وقت هذه الفعالية العالمية معرضان للفن التشكيلي السعودي أحدهم بشراكة بين الملحقية السعودية في دبي ووزارة الثقافة والإعلام في السعودية، ضم أكثر من خمسين عملاً فنياً لعشرة من الفنانين السعوديين هم إبراهيم الخبراني وأحمد الأحمد وأمل فلمبان ورملاء الحلاّل وفهد خليف ومحمد الرباط ومشاعل الكليب وعواطف آل صفوان ويوسف إبراهيم ورحمة علي في مرسم مطر في دبي. أما المعرض الثاني فأقيم في منطقة البستكية التاريخية بدبي تحت عنوان (المسار الفني)، قامت على تنظيمه مؤسسة السركال الثقافية (دار التراث) لسبعة من الفنانين السعوديين بمشاركة اثنين من فناني الإمارات اشتمل على مجموعة من الأعمال الفنية التشكيلية والصور الفوتوغرافية وشارك في المعرض من السعودية كل من أحمد حسين الغامدي ونهار مرزوق ونجلاء السليم وريم أحمد الديني ومن الإمارات نور السويدي وعلياء الشامسي ونورة مصري. الحوم حول الحمى هذه المعارض حامت حول حمى معرض (آرت دبي) دون أن تقع فيها أو يكون لها مكان أو مساحة مع أنها حققت هدفها بحضورها بهذه الأنشطة والإبداعات في هذه الفترة والمناسبة فكسبت ولو جزءاً من مكاسب (آرت دبي العالمي)، مهما كانت جهودها المتواضعة في جهات التنظيم التي لم تصل إلى ما يمكنها من الدخول ضمن تلك الفعالية التي تعتمد على مسار معين يرتكز على القاعات ومستوى ما يعرض فيها وحجم الدفع لاستئجار المكان بعيداً عن التعامل الرسمي أو الشخصي، مع أن في بعض الأعمال التي شاركت في هذين المعرضين ما يفوق ما هو بداخل معرض (آرت دبي). وزارة الثقافة والاستفادة فكرة التعاون بين وزارة الثقافة والإعلام السعودية والملحقية الثقافية في دبي اللتين ساهمتا بمعرض (العشرة)، تجربة رائعة رغم محدودية العدد الذي كان يفترض أن تتولاه الوزارة ممثلة في وكالة الوزارة للشؤون الثقافية / إدارة النشاطات لإقامة معرض سعودي بمستوى أكبر في العدد والعدة في هذه الفترة المهمة من فترات النشاط التشكيلي في دبي والشارقة لإقامة معرض سعودي يشكل ضلعاً ثالثاً للفعاليات وحضوراً قوياً يكشف المستوى الكامل للفن السعودي عبر اختيار دقيق وتعاون بين الوزارة وإدارتي المعرضين، (آرت دبي وبينالي الشارقة) لكيفية زيارة الوفود إلى المعرض إضافة إلى إمكانية إعداد برنامج زيارات للتشكيليين السعوديين ولتكن غالبيتهم من الشباب كما أشرنا في زاوية (للرسم معنى) يوم الجمعة الماضي وذلك لدعم مستقبل الساحة.. نشاط تشكيلي مشترك وإذا لم يكن لدى الوزارة القدرة على مثل هذا النشاط - رغم ثقتي بما لديها من تجارب سابقة - فإن الفرصة ستكون أكبر وأهم لو أصبح المعرض الدوري للفنانين التشكيليين الخليجين ثابتاً في دبي وقت المناسبتين اللتين أشرنا إليهما، وبهذا نستطيع أن نصيد الإبداعات الثلاثة بعين واحدة هي عين الثقافة الخليجية المنبثقة من أهداف مجلس التعاون. [email protected]