تخلت هيئة سوق المال عن أي مسئولية أو عن أي فهم قد يفهم بأن إصدار الصكوك هو تمثيل رسمي لموافقة هيئة سوق المال على دقة أو كفاية للمعلومات الواردة في نشرة الإصدار الأولية لصكوك بنك الجزيرة التي جمع فيها مليار ريال سعودي مؤخرًا. وأنا أقدر وأتفهم موقف هيئة سوق المال بل وأحيي فيها ذلك. فنشرة الإصدار الأولية للصكوك لا تختلف كثيرًا عن عقود البنوك التمويلية مع المواطنين في ضبابيتها وتلاعبها بالألفاظ وتحريفها عن مقاصدها. نشرة الإصدار لصكوك بنك الجزيرة وقعت في حدود 300 صفحة وكتبت باللغة الإنجليزية وصممت في دبي كما هو موثق في نشرة الإصدار بأيدي بنوك أجنبية 100 %، رغم أن البنك المستفيد سعودي والمال مال سعودي وسيستثمر في أرض سعودية. ولست هنا في معرض إيضاح بأن السعودي لا يزال لا يستطيع أن يؤدي الأعمال الفنية والتقنية إلى يومنا هذا، ولكن النقطة التي أردت أن أشير إليها هو أن عدم وجود نسخة عربية للإصدار واستخدام اللغة الإنجليزية في بلد عربي إسلامي ينص على عروبته في اسمه وفي لغته الرسمية وفي تقويمه الرسمي أمر يحتاج إلى تأمل! ولا تفسير عندي له إلا أن حقيقة الإصدار وشروطه يحرص أصحابها على أن لا يتداولها الكثير، وخاصة أصحاب العلاقة في الجامعات الإسلامية ونحوها. نشرة الإصدار لصكوك الجزيرة هي عبارة عن نشرة إصدار لأي سندات ليس لها أولوية استحقاق قبل الدائنين، وملاكها ملاك للفائدة دون الأصل حقيقة (Beneficial ownership) وهو مصطلح مالي معروف مشتق من مخالفة الوقوف بالسيارة في مكان لا يملك صاحب السيارة حق الوقوف فيه، لأن ملكية ملاك الصكوك ملكية صورية لا تزيد مع زيادة الأصل ولا تنقص بنقصانه. وعلى كل، فبغض النظر عن المصلحات الفقهية أو المالية التي رميت هنا وهناك في العقد إلا أن جوهر العقد واضح وضوح الشمس وهو ما اتفق غالب المجمعات الفقهية والمختصين في هذا المجال بأنه باطل وحيلة لا ترقى إلى أي صورة حقيقية من المعاملات الإسلامية. فجامع القول في هذه الصكوك أنها سندات بأولوية حقوق متأخرة عن الدائنين أسموها صكوك مضاربة وعملها بالمرابحة لذا فهي: 1. لها أرباح مضمونة في زمنها ومقدارها. فهي مربوطة بمعدل الفائدة السعودية بين البنوك مع هامش ربح، كما أنه التخلف عن دفع هذه الأرباح يعتبر نوعًا من أنواع الإفلاس يتسبب في مضاعفة الأرباح، (اللهم إن حدث هذا - أي حصل تأخر في دفع فوائد هذه الصكوك - فإن الأرباح من هذا التأخير ستذهب إلى الجمعيات الخيرية، وكأنهم بهذا حلوا المشاكل الأخرى). 2. أن قيمتها الصورية الأساسية لا تنقص ولا تزيد مع زيادة قيمة الأصل أو نقصانه. وصحيح أن موضوع إفلاس البنك بعيد الاحتمال تحت النظام السعودي النقدي الحالي فالضبابية والفوضى القانونية في هذه الصكوك لن يلتفت لها أحد، إلا أنني أعتقد أن هذه الضبابية القانونية والصورية الشرعية هي التي جعلت هيئة سوق المال تتخلى عن المسئولية وتسحب أي مباركة لها بأي تمثيل لها وتفرض على بنك الجزيرة توضيح ذلك بالأحمر في نشرة الإصدار. فهيئة سوق المال لا تريد أن تشارك البنوك الأجنبية المتمركزة في دبي والتي صممت هذا الطرح في تلاعبهم بالمسميات وضبابيتهم في القوانين بالسندات التي أسموها بصكوك مضاربة مع عمليات مرابحة صورية. فالنتيجة كلها في مقدار سعر الفائدة السعودية وقيمة الصك لن تتغير. إن سلوك الهيئة في تخليها الرسمي والمكتوب في نشرة الصكوك هو في رأيي أفضل من سلوك مؤسسة النقد الصامت عن الفوضى في العقود التمويلية البنكية وعن الحيل الدعائية في هامش الربح التي تحدث يوميًا بالعشرات في بنوكنا التجارية. فسكوت مؤسسة النقد عما يحدث في هذه العقود وعن الدعايات بهامش الربح لا الفائدة هو نوع من التمثيل الرسمي لموافقة مؤسسة النقد على ما تفعله البنوك من استغلال جهل المواطن بثقافة التمويل. [email protected]