كتبت الأسبوع الماضي حول الوقف وطالبت بتطوير تشريعات أكثر تطوراً في مجال الوقف، وأواصل اليوم نفس الموضوع بتقديم رؤية قد تكون مختلفة ومغايرة لما هو موجود، ومتعارف عليه في المملكة وبعض الدول الإسلامية، وأبدأها بالإشارة إلى قرار مجلس الوزراء القاضي بتأسيس هيئة مستقلة تعنى بشؤون الأوقاف وتسند لها مهام وكالة وزارة الأوقاف بوزارة الشؤون الإسلامية تحت مسمى: «الهيئة العامة للأوقاف» وتضمن القرار مباشرة الهيئة مهامها بعد ثلاثة أشهر من صدور القرار و حتى الآن لم ينفذ القرار. أعتقد أن ربط الهيئة بوزارة الشؤون الإسلامية ليس مناسباً للمرحلة الحالية، سواء من الناحية التنظيمية أو حتى من ناحية التجربة التي أثبتت تواضع المجهودات في هذا الشأن، بدليل عدم قدرتها على تنفيذ قرار مجلس الوزراء. أشير إلى ذلك من مبدأ نظرتنا للوقف بأنه ليس مجرد مشروع خيري إسلامي تقليدي بل مشروع تمويلي مالي استثماري حديث. النظرة المطلوبة للوقف هي معاملته كمؤسسة اقتصادية أو تجارية تختلف عن غيرها من المؤسسات التجارية المعتادة في نوعية أصولها وآليات صرف عائداتها وتوريثها. و مادام الوقف يجب أن يتحول إلى عمل مؤسسي منظم تحكمه نظم اقتصادية ومحاسبية محددة، فإن وزارة الشؤون الإسلامية ليست الأنسب لإدارته لأنها ليست مؤسسة اقتصادية أو مالية مقارنة بوزارة المالية. وبالتالي أرى الحاجة إلى عدم ربط هيئة أو مؤسسة الأوقاف بوزارة الشؤون الإسلامية وإنما إلحاقها بوزارة المالية أسوة بمصلحة التقاعد ومصلحة الزكاة ومصلحة التأمينات الاجتماعية، ولتكن مهامها الرئيسة ما يلي: 1- تطوير نظم وتشريعات الأوقاف بالتعاون مع الجهات المعنية. 2- إيجاد قواعد معلومات للأوقاف وتسجيل جميع أنواعها وتصنيفاتها ومرجعيتها وملكيتها وحجم أصولها وأوجه عوائدها، إلخ. 3- متابعة المؤسسات الوقفية والتأكد من التزامها بالمعايير المحاسبية المقرة ومن حسن إدارتها وعدم التفريط في أصولها من قبل الجهات المالكة أو المشرفة عليها، وتحويل المتجاوز منها للجهات الرقابية المعنية. 4- التنسيق مع الجهات ذات العلاقة كالتنسيق مع مصلحة الضرائب بشأن الإعفاءات الضريبية مقابل التبرع للأوقاف، والتنسيق مع الجهات الحكومية في دعم الأوقاف بما في ذلك تحديد أوجه الدعم الحكومي العيني والعقاري والمادي للأوقاف. حالياً قامت بعض الجهات بتحويل الأراضي الحكومية المخصصة لأغراض محددة إلى أراض وقفيه كما تفعل الجامعات دون وجود إطار قانوني مرجعي لهذا العمل.. 5- دعم الدراسات والمبادرات العلمية والاستشارية المتخصصة في مجال الأوقاف وسبل تطويرها وتسويقها وتنميتها. هذه الهيئة ستتمكن من النمو والقدرة على إدارتها ذاتياً عن طريق رسوم إدارية بنسبة محددة من أرباح المؤسسات الوقفية (2-4% مثلاً). ويمكن أن يصبح لها مجلس إدارة يرأسه وزير المالية وتمثل فيها الجهات ذات العلاقة كوزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها من الجهات والشخصيات الاعتبارية ذات العلاقة. أختم بالعودة إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف وجهدها مقدر في هذا الشأن. المقترح أعلاه لن يسحب صلاحياتها في إدارة والإشراف على الأوقاف التابعة لها كأوقاف المساجد والحرمين وغيرها أسوة بأي قطاع آخر لديه أوقاف (الجامعات والصحة مثلاً) وإنما سيصبح عليها تسجيلها وتوثيقها وتقديم تقاريرها إلى هيئة أو مؤسسة الأوقاف، مثل غيرها من الجهات. الأوقاف ليست مجرد صدقة عابرة بل مصدر تمويلي مهم مطلوب تطوير استراتيجياتها ونظمها التشريعية والمالية والقانونية، حتى لا يبقى العمل بها اجتهاد من قبل أفراد ومؤسسات، كما بدأنا نلحظه مؤخراً.. [email protected]