لن يتطور أداء الموظف الحكومي ما لم يكن هناك حوافز للموظف الجادّ، وعقوبات للموظف المهمل، ترقيات وعلاوات للموظف المنجز، وحرمان منهما للموظف المعطِّل للعمل، ولمصالح المواطنين وخدماتهم، لن يتعامل الموظف الحكومي مع المراجع كعميل ينشد خدمةً أفضل وليس كشحاذ يبحث عن واسطة لتنفيذ خدمة عادية جدًا ما لم تتم مراقبة أدائه، وتسجّل المكالمات الهاتفية للمراجعين معه، أسوة بالشركات، لضمان خدمة أفضل، ولن يتطور الأداء الوظيفي ما لم يتم رصد الأداء لكل موظف، والتعامل معه من حيث الحوافز والعلاوات على أساس هذا الأداء! أما أن يكون الموظفون الحكوميون في نظر وزارة الخدمة المدنية كلهم سواء، فهو يعني أنها لن تتطور أبدًا، ولا يتطوّر أداء موظفيها ولا خدماتهم التي يقدمونها للمراجعين، وستبقى في حال متأخر لا حل له، أسوة بالمثل الشعبي: «من كان الناس عنده سوا، ما لعلته دوا»، لأنه لا يمكن التعامل مع الجميع بمسطرة ثابتة، رغم التمايز في الأداء، فكأننا نقول للمخلص: أبشر بطول عمر يا مربع! ونقول للمهمل: وسّع صدرك، النتيجة واحدة عملت أم لم تعمل! بل أحيانًا وهذا من تجربتي الشخصية، أن المهمل يحصل على دورات وانتدابات أكثر من الجاد والمخلص، ففي ذهنية مدير نظام الخدمة المدنية، أن التخلّص من الموظف المهمل يكون بإبعاده والتخلص منه بإلحاقه بدورات تدريبية داخلية وخارجية، بينما الإجابة على طلب الموظف المخلص: أن العمل بحاجتك! سأطرح نموذجين مهمين، قد يكون القارئ عاصرهما معًا أو أحدهما، فكلنا نتذكّر كيف كان همّ مراجعة الجوازات، تلك التي لا ينجز معاملاتها إلا أدهى المعقّبين وأذكاهم، ويحتاج إلى أيام وربما أسابيع، بينما الآن يمكن الانتظار لدقائق فحسب، كي تحصل على جواز أو إقامة عامل، والأمر يعود إلى تسهيل عمل النظام الإلكتروني، ومراقبة الضابط على أداء موظفيه، كلما لاحظ بعض التكدّس في صالة المراجعين! النموذج الآخر المهم، هو المقارنة بين موظف وزارة الاتصالات سابقًا، وبين موظف شركة الاتصالات حاليًا، فلو نتذكّر كيف كنا نحلم بخط هاتف ثابت، إلى درجة أن السوق السوداء عبثت بهواتف ثابتة بلغت أسعارها 25 ألف ريال لبعض الأحياء في الرياض، بينما بعد تحول الخدمات إلى شركة الاتصالات أصبح الحصول على هاتف ثابت لا يستغرق أكثر من عشر دقائق، فما الذي تغيّر؟ هل طردنا الموظفين السعوديين السابقين، وتعاقدنا مع موظفين من اليابان أو السويد؟ أبداً والله، كل ما في الأمر أننا شعرنا بأهمية العميل الذي يعتبر أساس النجاح، قمنا بوضع الأداء والإنجاز أساس التطور الوظيفي والحوافز التي يحصل عليها الموظف، فأصبح الموظف الذي يكلمك (من طرف خشمه) يبتسم لك بكل تهذيب، ويبادرك بجملة مؤدبة: تفضل، أقدر أخدمك؟ الأمر ببساطة أنه أصبح تحت الرقابة على أدائه، ومستوى الخدمة التي يقدمها للعميل، وبالتالي الحوافز الممنوحة له، أو العقوبات المحتملة، وهو ما كان يفتقده الموظف الحكومي في وزارة الاتصالات سابقًا! يبقى السؤال المهم: متى يتبدل مستوى الخدمات الحكومية المقدّمة، في قطاعات التعليم والصحة والقضاء والتوظيف و... و...؟ أرجو ألا تكون الإجابة بأن ديوان المراقبة العامة يؤدي هذا الدور الحكومي، لأنه منذ إنشائه في السبعينيات الميلادية لم يتطور كثيرًا، وهو أصغر بكثير مما يناط به، وأخشى أن أقول إنه أساسًا بحاجة إلى تقييم أداء!