الساعة التاسعة والنصف صباحاً، في حديقتنا التي ألبستْ أرجاءها فستاناً زاهي الألوان، ووروداً على ممراتها، وريحاناً يفوح ريحه من خارج سور الحديقة. تمردت على ما أسموه (إتكيت)، كرسي، وطاولة! واستلقيت على الأرض، نظرت للسماء التي كادت أن تدر نقاءها في كل مكان. تمعنتُ جيداً، إذ بالشمس وكأنما مدت حبالاً مشعة بالنور يتخللها الغيم فيغطي جزءاً منها.. أحسست أنها تلامسني وتشبهني. بغتة! صوت هز موجة تردد أفكاري ينادي: ششمس. تهت في ذاكَ الصوت وضحكت يا الله، حتى أذني تبرمج أفكاري نحو الشمس. وفي مطلع ابتدائي لتفجير تلكَ الضحكة!.. إذ بيدٍ تجرُ قميصي الأبيض المنقط بالوردي، وبصوت حاد: شمث! ألا تثمعي ماذا بكِ؟ سيناً تخرجُ ثا! إنها ابنة أخي بمقدمة الثنايا المخلوعة، وشعرها الأجعد البني.. وبوجه ممتلئ بالعفوية والحماس: - أتثمحي أن أريكِ مفتاحي الثحري؟ تبادر لذهني «مفتاح! سحر! ماذا تنوي تلك الصغيرة»؟ أمسَكتْ ترفْ بسبابتي وجرتني بخطواتها الصغيرة إلى أن توقفت في آخر الحديقة، حيث يوجد عالمها الخاصْ، قطتها، ألعابها، دُماها المتكلمة بأصوات من حنجرتها المضحكة، وعصفوراها الجميلان بلونهما الأصفر المخضر. لكن! القفص مفتوح وليسَ بهِ كائنٌ حي يتحرك أبداً! ثمَ ارتفعت شفة ترف السفلى وطبقتها على العليا وقالت بعبرة: أينَ ذهبا؟ نَزلتُ لمستوى طولها وأمسكتُ ب أذنيها وحركتها للأمام والخلف وقلت: هكذا طااارا ... أمم ربما لمْ تكوني طيبة..!! فَضَحِكَتْ ببلاهة ثم خففت نبرة صوتها كاللصة وهمست: - أنا أطلقتهما! شخصتُ أنظاري في وجهها المخادع! وقالت: - حثناً حثناً ثأخبركِ، عندما ماتَ ثديقها أصبحت كل يوم تبكي هكذا (وث وث وث)... فتحت لها باب القفث بمفتاحي الثحري وجعلتها تطير بعيداً لتبتثمْ كل يوم مثلي ولا تموت هنا فأبكي عليها. تعجبت من فكرها السحري! وهمست بنفس نبرة صوتها: - تلف - كما كانت تنطق اسمها - أريني المفتاح الثحري. فأشارت على إصبعيها السبابة والإبهام الصغيرين وأغلقت باب القفص ثم فتحته وقالت: - انظري إثبعي ثحري! فَضحِكتُ لبراءة مخيلتها العميقة، وتمتمت لنفسي ضاحكة: لربما صنعت مفتاحاً سحرياً آخر، يخرجني من بيتنا المليء بصخبها المفرح، يا لها من مخادعة رحومة أجحفَ خيالي بعيداً. وإذ بها تقول: - يا ثمثي ثأثرب حليبي فإني أريد مزيداً من الثحر والقوة وفرَّت هاربة. ابتسمت لحرفة فنها المضحك، تلكَ الصغيرة المرحة، ولحقتها علنيَ استمد منها ثحراً.