سأصم أذني عن الأخبار.. سأغلق الشاشات، وأطوي الصحف..، ولا أجيب على رنين هاتف، لن أفتح وارد الرسائل، ولن أُعبئ صادرها,.. كل الطارقين سأعتذر منهم... أرهقني إنسان العصر.. بغثه ووعثائه.. وغيضه وفيضه.. مشاغب.., عابث.., مستنزف للراحة.., سادر في غي الفوضى... يستخدم من المصطلحات ما يُوهم بالجمال، ويقرب من جميل الأحلام، ويبسط الفضاءات، فإذا هي عبثية محرضة للقيء.., وإذا هو قبح مطلي بالزيف.., وإذا هو سراب يستفيض على الرؤية... قلت لنفسي: كوني لوحدك... افتحي كل يوم نافذتك.. شاهدي أشجاراً خضراء، وأغصاناً يافعة.., وثماراً غضة.. واصغي للعصافير تروم الدفء بينها في أيام الشتاء هذه، والاستبراد في سواها.., ثم تنوي الرحيل كلما استلهم الضحى شمس نشاطها..,.. انظري للسماء كيف بناها من خلق وأبدع.., لا فطور فيها، الباقية على ديدنها ما شاء ربها، صافية ما أشرقت شمسها، غائمة ما تيقظت سحبها،.. في الليل ترسل أنوار النجوم.., وفي الغسق تطعم الجنان رحيق الخشوع..,.. كوني لكتابك.., وقرطاسك.., ومحبرتك.., ويراعك.. واسألي: متى جفاك أحدها..؟.. وهل حدث أن أفزعك أي منها..؟... ستجدين رفقة طيبة.., ما انشطرت لدربين، ولا انشقت لوجهتين.. تنامين وتستيقظين.., وكلها بين يديك.., تنتظر إبحاراً جميلاً.., شيقاً.., مثرياً.., ممتعاً.., صادقاً.., وفياً... مرهق هذا العالم الكبير الشاسع, بعد أن تحول لقرية صغيرة لا تقواه قدرتك.., ولا يستوعبه سلامك الداخلي.. مظلمةٌ نواياه.., وإن تلبست بأستار الضوء... جاهلةٌ أبجدياته.., وإن تلبّست بالمعرفة والعلم... احملي مطرقتك على شغب الضوضاء.., ومارد النزف..، وديمومة الفزع.., فيد الإنسان ملوثة بأمراضه، مغموسة في ضلوع عصره،... ما الذي تقرأينه في أنبائه اليومية..؟.. وما الذي تسمعينه في تحركاته اللولبية؟... كله منهك لفطرة البياض في النفس الوادعة.. قالت نفسي: سأصم أذني.., وسأغمض عيني، غير أنني لست منهزمة.. قلت لها: كفاك من ذلك أن تسمعي لقصائد العصافير، وتتفكري في آيات الكون، وتسابيح الطبيعة..., وتصنعي منها سلماً تتسلقينه بعيداً عن رهق البشر.., وفوضى العبث.., وجعجعة الصراع... تصعدين لفضاءات، لم يلوثها رهق الإنسان في انعطافاته الحياتية الراهنة، تلك التي لا وجه لها يبين...., ولا حقيقة فيها تستبين..