أثبتت الكوارث التي أحدثتها سيول جدة، وكثير من القضايا التي لم تكشف بعد (إلا أن المطلعين على الأوضاع يعلمون بها) أن هناك مدخلاً واسعاً للفساد ولتخريب المشاريع الإنمائية والخدمية. باب الفساد هذا يعمل وينفذ للمشاريع ويخرب ذمم المسؤولين الذين يوقعون على مناقصات المشاريع، ويشاركهم فيها بعض أصحاب الشركات ومؤسسات المقاولات من رجال الأعمال الفاسدين، وهذا الباب اسمه «عقود الباطن»، فهذه العقود يتم إبرامها بين الشركات والمؤسسات التي يتم اختيارها لتنفيذ المشاريع الكبيرة وحتى الصغيرة، فالشركات تدخل منافسات المناقصات بعد أن تقدم عروضها ومواصفاتها، فيتم ترسية المشروع على تلك الشركة الفائزة بالمناقصة التي جرى اختيارها لتميزها وقدرتها على التنفيذ حسب المواصفات التي تضمنتها «كراسة المناقصة»، وطبعاً لم يكن اختيار الشركة أو المؤسسة المنفذة اعتباطاً، بل أُخذ في الاعتبار قدرتها وتميز أعمالها قياساً بما أنجزته من أعمال سابقة، وإلى هنا فكل شيء يسير في الاتجاه الصحيح، إلا أن الخلل يبدأ حينما ترحل أو تكلف الشركة التي اختيرت لتنفيذ المشروع إلى شركة أخرى كمقاول من الباطن، وطبعاً بتكاليف وبأسعار أقل مما اتفقت عليه مما سيقلل من جودة التنفيذ وبمواصفات أقل، يتم تمريرها بين المهندس المشرف على المشروع المكلف من الجهة التي أرست المناقصة والمهندس المكلف من الشركة التي حصلت على المناقصة، ومهندس المقاول من الباطن، عبر هؤلاء الثلاثة وليس ضرورياً أن يكونوا مهندسين أو متخصصين، المهم في نظر هؤلاء الثلاثة أو ممن يمثلونهم يعرفون كيف يقلصون النفقات ويمررون المشروع الذي لا يهم أن تظهر عيوبه بعد أن يتم استلامه، ولهذا فليس غريباً أن ينهار جسرٌ، أو يخرب شارع، أو حتى يتم اكتشاف عدم وجود «مواسير» أو مسارات لمجاري السيول كما حصل في جدة، حيث غطت أغطية خزانات السيول دون أن تكون هناك مسارات للسيول! مقاول الباطن مخلب للفساد يعمل به وكأنه أصبح عرفاً يتعامل به الجميع، وأنا أريد بصدق القضاء على أولى مخالب الفساد فيجب المبادرة إلى إلغاء هذا العمل غير القانوني وغير المنصف الذي يقود دائماً إلى تخريب المشاريع والتشجيع على نهب المال العام. [email protected]