قرأت ما نشرته الجزيرة يوم الخميس الموافق 3 صفر 1432ه عن استقبال صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز بمكتب سموه وفد رابطة خريجي مدرسة اليمامة الثانوية بالرياض وحيث كنت أحد مديري هذه المدرسة مما أثار شجوني للحديث عن هذه المدرسة بهذه المناسبة. مدرسة اليمامة الثانوية بالرياض أسهم في بنائها نخبة من رجال التربية والتعليم وكنت واحداً ممن عمل مديراً لها في الثمانينات وكشهادة حب وإخلاص ووفاء لها فقد ألقيت عليها نظرة حين بدأت عملية هدم هذه المدرسة إحدى أكبر وأعرق المدارس الثانوية بمدينة الرياض. وقد عاصرت هذه الثانوية أجيالاً عديدة كما تخرج منها أفواج من الشخصيات العلمية من أطباء ومهندسين وإداريين ومدرسين ويأتي ذلك في إطار عمل الهدميات للمباني الحكومية الواقعة في المنطقة التاريخية بالمربع بهدف إقامة المشروعات الجديدة فيها. لقد أمضيت في ميدان التربية والتعليم أكثر من خمسة وعشرين عاما. ولعملي مديراً لمدرسة اليمامة الثانوية قصة، فقد التحقت بوزارة المعارف بتاريخ 1-1-1379ه بعد تخرجي من كلية اللغة العربية عام 1378ه حيث عينت مساعداً للتربية الإسلامية بالوزارة، وبعد مضي عام من العمل كنت حريصاً على مواصلة الدراسات العليا- حيث قبلت بقسم الدراسات العليا بإحدى الجامعات العربية عام 1380ه - وحينما كنت أستعد للسفر صادف قيام معالي وزير المعارف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ رحمه الله بزيارة وجولة على مدارس منطقة الرياض وفي اليوم الثاني لتلك الزيارة أصدر معاليه عدة قرارات وتعيينات بمنطقة الرياض وأصدرا أمراً بتعييني مديراً لمدرسة اليمامة الثانوية بالرياض. وحين استدعاني ليبلغني باختياري مديراً لليمامة الثانوية اعتذرت له وقلت لعل غيري يقوم بذلك وشكرته على ثقته وأخبرته أنه سبق أن وافق على ابتعاثي فقال هذا العمل أهم من مواصلة دراستك العليا وجرى إلغاء القرار والتأكيد على تسلمي إدارة المدرسة. وتوجهت لتلك المدرسة وكان المبنى جديدا حيث تم نقل الطلبة من الموقع السابق في شارع الوزير وتوجهت لتسلم هذا المبنى الجديد ولم يكتمل بعد ولم تركب الأبواب وبه بعض الآبار لم تدفن، وكثيراً من مخلفات البناء لم ترفع، وراجعت الوزارة وطلبت من المقاول نقل ذلك فلم نتمكن وقررت الاعتماد على الله ثم على الجهد الذاتي وبدأت العمل من داخل المدرسة فاخترت مجموعة من الطلاب من ذوي السواعد القوية لردم الحفر والآبار وطلبت المساعدة من أمين مدينة الرياض آنذاك الأمير فهد الفيصل بواسطة أحد أبنائه الذين يدرسون في المدرسة فكان رجلاً شهما؛ حيث بعث سيارة (قلابي) وبها مجموعة من عمال البلدية ومعهم (زنابيل ومساحي) ولم يكن هناك (شيولات) أو رافعات مما هو متوفر اليوم. فعملنا سوياً وبالجهود الذاتية في إزالة المخلفات. ومازلت أذكر تجاوب الإذاعة السعودية حيث حضر الأخ خميس سويدان -وكان وقتها مذيعا- حضر لتسجيل وقائع عملية تسوية الأرض ودفنها وإصلاحها بعد صلاة العصر ولمدة أسبوع وبدأت مع مجموعة من الطلاب ندفن وننقل الأحجار ونملأ البراميل بالرمل ثم نرص بها الأرض وهكذا بعد معاناة أسبوع من العمل سمحت للطلاب بالنزول في ملعب المدرسة حيث كنت طوال الأيام الأولى أقف بنفسي مع المراقبين لمنع الطلاب خوفا عليهم. لقد كانت هذه المدرسة هي الثانوية الوحيدة في المنطقة الوسطى وكان بعض الآباء يقول لقد ابتعدتم بأبنائنا في هذا المكان بعد أن كانت في وسط البلد ولم يكن يوجد لدينا في المدرسة تليفون فذهبت لرئاسة الحرس الوطني لقربهم من المدرسة وطلبت منهم أن أشترك معهم في السنترال الموجود لديهم وقد وجدت منهم كل ترحيب وتجاوب. لقد كانت المسؤولية ضخمة والعبء ثقيل إلى جانب حرماني من مواصلة الدراسة العليا التي كنت متطلعا لها وحريصا عليها وبالصبر والعزم وتشجيع المسؤولين والتوكل على الله أدرت هذه المدرسة وكانت فرصة للخدمة التربوية والتعرف على الطلبة وعلى سلوكهم وإدراكهم ومدى استعدادهم وكذا التعرف على المعلمين وكان هناك نظام المدرس الأول في كل مدرسة بمثابة موجه مقيم وكنت أعقد اجتماعاً كل يوم اثنين مع المدرسين الأوائل ويوم الأربعاء مع باقي المدرسين وكان بها نادٍ ثقافي نقيمه أسبوعياً مساء كل خميس وكان له أثره في إثراء الجانب الفكري والوعي الثقافي والاجتماعي والنشاط المسرحي والخطابي وبها مجموعة من الطلاب أذكر منهم على سبيل المثال مع حفظ الألقاب عبدالرحمن السدحان وعثمان الأحمد ومحمد الفهد الفيصل ومنصور وبندر بن شلهوب وفارس الفارس وإبراهيم الخضيري وعبدالله البتال وبدر الربيعة وحسن بن سعيد ويوسف الخلف وغيرهم كثير ومعذرة لمن لم أذكره من أولئك الطلاب فأنا أكتب هذه السطور على عجل بعد أن قرأت ما نشرته الجزيرة عن رابطة خريجيها وبهذه المناسبة أردت أن أسجل بعض الذكريات، ولا شك أن زملائي الذين تعاقبوا على إدارة هذه المدرسة لديهم الكثير من الذكريات والمواقف التربوية. فقد تخرج من هذه المدرسة جيل يمسك الآن بالكثير من المسؤوليات وعندما تولى الشيخ حسن آل الشيخ الوزارة أبديت له رغبتي في الالتحاق بمعهد تدريب كبار موظفي التربية والتعليم في العالم العربي التابع للأمم المتحدة في بيروت فلبى الطلب وابتعثت لذلك المعهد سنة 1382ه ضمن فريق من رجال الوزارة. وإن الحديث عن ذكريات الأيام التي قضيتها وتشرفت فيها بالعمل في ميدان التربية طويل وممتد حيث نشأت مع التعليم وعاصرت مسيرته وكنت مع زملائي الآخرين عبارة عن جنود في ميدان التعليم حيث واكبت مراحل متعددة منذ أن كانت مديرية المعارف العامة ذات الإمكانيات المحدودة إلى أن أصبحت وزارة المعارف ذات الامتداد الواسع والانتشار البعيد حيث تطورت حقول التربية والتعليم ومراحله المختلفة والخطط والمناهج والوسائل التربوية والنظم الإدارية والأجهزة القائمة على التعليم وسائر ما يتصل به. هذه وقفة عجلى وصدى لأحاسيس أوحت بها المناسبة عن هذا الصرح التربوي أعرق المدارس الثانوية بمدينة الرياض والتي أعتز بالعمل مديراً لها في الثمانينات ولي معها ذكريات لا يستوعبها هذا المقام ما زالت راسخة في الوجدان ويضيق المجال عن الاسترسال فيها، ونحمد الله على ما تحقق اليوم في بلادنا من رقي ونهضة وبناء وتنمية شاملة في مختلف مجالات الحياة وتحقيق الطموحات والتفاعل الواعي مع التطورات الحضارية العالمية في ميادين العلوم وضروب الثقافة وفنون الآداب بتتبعها والمشاركة فيها وتوجيهها بما يعود على المجتمع بالخير والتقدم، وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم الإسلامية والمثل العليا وإكسابه المعارف والمهارات المختلفة وتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة وتهيئته ليكون عضوا صالحا نافعا في بناء مجتمعه ولبنة صالحة في بناء أمته ويشعر بالمسؤولية لخدمة بلاده. عبدالله بن حمد الحقيل -مدير مدرسة اليمامة الثانوية سابقاً