كثيرون هم من يستخدمون كلمات من القرآن الكريم في حواراتهم مع الآخرين بغرض التخويف أو التهويل مما يفعله الآخرون وقد تحولت هذه الكلمات من أقوال إلى أفعال يجب أن تكون نصب أعيننا في كافة أعمالنا إلى مجرد كلمات على اللسان انفصلت تماماً عن أصلها في آيات الفرقان، فحين تجادل البائع على شيء ترغب في شرائه سرعان ما تقول له: اتقِّ الله والمقصود هنا ليس تقوى الله كما وردت في القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ولكن المقصود الاندهاش من ارتفاع ثمن الشيء المشترى، وهكذا نخرج الكلمات من معانيها التي أرادها الله سبحانه وتعالى، وكلمة (اتقِّ) مشتقة من الفعل (وقى) ويعني: وقيت الشيء أقيه إذا صُنْتَه وسَتَرْتَه عن الأذى، وكذلك الوِقاءُ والوَقاء والوِقاية والوَقاية والوُقاية والواقِية: كلُّ ما وقيتَ به شيئاً، ويستخلص من المفهوم اللغوي للكلمة أنها تدور حول وقاية النفس من الوقوع في براثن الشيطان واتباع الأهواء وفعل المنكرات والمحرمات، وقد وردت كلمة التقوى في القرآن الكريم بعدة أشكال منها: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} (206) سورة البقرة، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} (1) سورة الأحزاب، {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } (52) سورة النور. ووردت لفظة المتقين في القرآن الكريم ثلاثاً وأربعين مرة كانت كلها تدور حول مكافأة الله سبحانه وتعالى للمتقين: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (133) سورة آل عمران، {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (36) سورة التوبة. وهكذا نجد أن تقوى الله هي الوسيلة للنجاة وما بين التحذير من غضب الله ومكافأة المتقين فرق كبير فالتقوى تقود صاحبها إلى جنات عرضها السموات والأرض والمعصية والخروج على أوامر الله جزاؤها النار وبئس القرار قال تعالى: {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (113) سورة طه. كما وردت الكلمة ذاتها في الأحاديث النبوية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِع بعضكم على بيعِ بعض، وكونوا عباد الله اخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذُلُهُ، ولا يكْذِبُهُ، ولا يحْقِرُهُ، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم. والمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: (التقوى هاهنا) يعني تقوى الله عز وجل في القلب وليست باللسان ولا في الجوارح، وإنما اللسان والجوارح تابعان للقلب. ويشير إلى صدره ثلاث مرات يعني قال: التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى ها هنا، تأكيداً لكون القلب هو المدبر للأعضاء. ومن أقوال الصحابة والتابعين في التقوى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل) وقال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: {اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ} (102) سورة آل عمران. قال: أن يطاع فلا يعص ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر، وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات، ومعنى ذكره فلا ينسى ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها. وقال طلق بن حبيب رحمه الله: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً يكون حجاباً بينه وبين الحرام فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه فقال: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (7) سورة الزلزلة. فلا تحقرن شيئاً من الخير أن تفعله ولا شيئاً من الشر أن تتقيه وقال الثوري رحمه الله: إنما سموا متقين لأنهم اتقوا ما لا يتقي. وقال ابن عباس رضي الله عنه: المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به. وقال الحسن رحمه الله: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض الله عليهم. وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فمن رزق بعد ذلك خيراً فهو خير إلى خير. وقال موسى بن أعين رحمه الله: المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم الله متقين. وقال ميمون بن مهران رحمه الله: المتقي أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه. وقد يغلب استعمال التقوى على اجتناب المحرمات كما قال أبو هريرة رضي الله عنه وسئل عن التقوى فقال: هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى. وهكذا نجد أن الكلمات القرآنية التوجيهية التي يريد الله بها خيراً لعباده قد تتحول إلى كلمات مفرغة من معانيها ودلالاتها وهذا يحتاج إلى تكاتف الجميع من أهل العلم والآباء والأمهات لتعريف الأبناء بدلالات الكلمات وحثهم على توظيفها في محلها الذي أراده الله لها. * مدارس الرياض للبنين والبنات [email protected]