(لقد حلم نزار قباني ابن دمشق الخضراء بأن يعمم شعر الحب كالخبز منذ ثلاثين عاماً، ونجح، حتى جاء الشعراء المقاومون ليعمموا شعر النضال ليصبح الشمس والهواء لجميع المساجين خلف القضبان وبلا قضبان).. اجتزأتُ الكلمة، أعلاه، من مقدمة المفكر والأديب السوري مطاع صفدي لديوان الشاعر الفلسطيني سميح القاسم الصادر كأعمال كاملة عام 1987 عن دار العودة ببيروت، فقد وجدتُ فيها تلخيصاً لمبررات انتشار ما اصطلح على تسميته (شعر القضية) أو (قضية الشعر) – سيان – غير أنهما، وأعني المسميين، يختلفان جذرياً عمّا يظنه البعض في الموازاة، بينما هو لا يعدو أن يكون (الشعر في قضية) ويخلو من كل (قضيةٍ في الشعر).. ذلك أن (شعر الحب) ليس بقضية جديدة، إنما هو تيارٌ من تيارات الشعر مثله مثل شعر المديح أو الهجاء أو الرثاء، غير أن الجديد، والذي هو (حلم) نزار قباني الذي اشتغل على تحقيقه يتمثل في (تعميم) شعر الحب ليكون (كالخبز).. كما أن نزار قباني نفسه لم يكن يباشر التحريض على (شعر الحب) حتى يعممه، بل كان هو بذاته يتنفس (الحب) ويكتبه شعراً ليستطعمه كل يوم، تماماً كالخبز، فكان هو القضية بذاتها..! كذلك شعر سميح القاسم ومحمود درويش وغيرهما من شعراء المقاومة الفلسطينية، لم يكن شعراً يتبنى المقاومة أو يحضّ عليها أو يدعمها، بل كان هو في ذاته، كشعر، يتمثل عملاً (نضاليّاً) يقاوم الاحتلال مقاومة شعرية نابعة من كينونة الشعر والشاعر معاً، وليست مرسلة من طرف إلى طرف، وحتما ليست كالوعاء الذي يُصبُّ فيه شيءٌ ليكون ممتلئاً بشيء؛ لذا استحق عن جدارة أن يكون في صدارة القضية، لأنه بحتمية القدر كوّن قضيته (الشعرية) من صميم القضية (النضالية) الكبرى، فكان هو قضية بحد ذاته..! تلك هي المعادلة التي تغيب عن ذهنية – أو منهجية - كثير من الشعراء حين يحاولون أن يكونوا (أصحاب قضايا) في حين أنهم لا يمتلكون من تلك القضايا التي يزعمون - أو يطمحون - أو يحاولون تبنيها سوى ما يمتلكه المتابع عن بعد لمجريات الأحداث بتعاطف لا يرقى - ويستحيل أن يرقى - إلى التوحد مع القضية، ومن ثم إنتاج العمل الذي يحسب ويضاف من القضية وإليها.. على ذلك يمكن أن نقرأ، باهتمام، شعراً يمثل (قضية).. في حين نتجاوز، بتهميش، ما عداه من شعر مكتوب من أجل (قضايا) لم ولن يمثلها أبداً – وما أكثره! (مقاصد): ما كان للدنيا سوى ما كانَ، تفهمني؟ تقولُ.. وقال صوتٌ منكَ: أين أنا؟ فقلتُ: الآنَ في هذا المكانْ وكأنني ما كنتُ أقصدُ غير نفسيَ، أنتَ آخرُ من سأقصده، وأنتَ قصيدتي يا أيها التيه القصيُّ فكم ستأخذني لفخفخةٍ ستقصد دونها؟ ولَكَم سأقصد، في الختام، جنونها وأنا أمدُّ الشارعَ المفقودَ فينا بالتمادي لا نخافُ الآن تيهاً.. كلُّ تيهٍ سوف يأخذنا إلينا، في بلادكَ أو بلادي! - الرياض [email protected]