الجزيرة - عبدالله البراك - تصوير - فتحي كالي نظم مجلس الغرف السعودية ومجموعة أكسفورد للأعمال أمس بفندق الفورسيزون حفل إطلاق «التقرير: السعودية 2010م» التقرير الاقتصادي الذي أنجزته المجموعة البريطانية بالتعاون مع مجلس الغرف ويتضمن تحليلاً مفصلاً لاتجاهات الاقتصاد الكلي بالمملكة وتقييماً لمختلف القطاعات الاقتصادية. وشهد حفل تدشين التقرير عددا من الشخصيات الاقتصادية ومسؤولي مجلس الغرف وكبير مديري مجموعة أكسفورد للأعمال كذلك شهد الحفل توقيع مذكرة تفاهم مع المؤسسة البريطانية مجموعة اكسفورد للأعمال بشأن إصدار ونشر التقرير. ويأتي «التقرير: السعودية 2010م» ثمرة لجهود ستة أشهر من العمل الميداني لفريق المحللين المتخصصين ذوي الخبرة لدى «أكسفورد بزنس جروب»، وذكر الدكتور فهد بن صالح السلطان أمين مجلس الغرف السعودية في كلمته التي ألقاها أثناء الحفل إن أداء الاقتصاد السعودي رائع ولم يتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية بشكل كبير وبقي قويا وصلبا، وهو سيواصل عرض تشكيلة واسعة من الفرص والاستثمارات في العديد من القطاعات الاقتصادية في المملكة، كما ستلاحظون ذلك في التقرير (العربية السعودية 2010)، الذي يعطي صورة حقيقية عن اقتصاد المملكة الذي تحول من اقتصاد تقليدي لاقتصاد مبني على المعرفة. وقال السلطان: إن الدولة أعلنت ميزانيتها للسنة المالية 2011، وقد كان تزايد الإنفاق الحكومي أحد عناوينها البارزة الذي يخدم توجه التطوير وبرامج الاستثمار لكي يبقيا ويضمنا نمو الاقتصاد القوي الذي تشهده المملكة. وهذا يوضح تكريس الدولة جهودها نحو مواصلة الإنفاق لتمكين خلق بيئة استثمارية إيجابية ونمو اقتصادي قوي. وجاء في التقرير كما تراه «أكسفورد بزنس جروب» يظل الاقتصاد السعودي من بين أفضل اقتصادات المنطقة من حيث الاستقرار والأداء، ويماثل الاقتصاد الألماني في أوروبا، حيث يمثلان نموذج نمو حافظ على استقراره خلال العقد الماضي، ونجح في جذب الأنظار خلال الركود الاقتصادي العالمي، وبالرغم من أن الاقتصادات الأخرى ما تزال تعاني في سبيل التغلب على تداعيات الأزمة المالية العالمية، سجلت السعودية العام الماضي نمواً حقيقياً بلغت نسبته 3.8% وتتوقع الحكومة ارتفاع نسبة النمو العام الحالي إلى 4%. يرتكز هذا النمو على قواعد معلومة وواضحة، ولعل شيوعها يساهم أحياناً في إخفاء مغزاها الحقيقي، وربما يكون من المناسب تلخيصها هنا، وكذلك الأجواء المفعمة بالحركة والنشاط، ويظل الاقتصاد السعودي يسوده القطاع النفطي على الرغم من أن النفط والغاز يساهمان الآن بأقل من نصف صافي الناتج المحلي، ونتج عن السياسة الناجحة لتنويع الاقتصاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في تمتع المملكة الآن بمرتبة عالمية في العديد من الصناعات الثقيلة وأبرزها صناعة البتروكيماويات. وفي ظل مواصلة مسيرة التنمية وتنويع الاقتصاد، يتوقع خلال العقد المقبل أن تمثل معادن مثل الفوسفات والبوكسيت والنحاس الدعامة الثالثة للاقتصاد بعد النفط والغاز، وإلى جانب الصناعة الثقيلة قامت المملكة أيضاً بتطوير أحد أهم قطاعات المال في المنطقة في حين تواصل قطاعات مثل التجزئة وتجارة الجملة والخدمات اللوجستية من العناصر الهامة في الاقتصاد الوطني السعودي. وإستراتيجية التنويع الرأسي الناجحة للاقتصاد في مجموعة من المدخلات الصناعية الحيوية التي تتطلبها أكثر اقتصادات العالم حيوية والتي ضمنت استقرار البلاد خلال الأزمة المالية الأخيرة، وتلعب السعودية في الوقت الحالي دوراً فاعلاً في الاقتصاد العالمي، وتبرهن على ذلك عضويتها في مجموعة العشرين التي حلت فعلياً محل مجموعة الثمانية خلال الأزمة الأخيرة، باعتبارها أهم منتديات صانعي القرار الاقتصادي في العالم. استطاع اقتصاد المملكة الحفاظ على نموه خلال الأزمة بفضل الزخم والدعم الحكومي الهائل الذي تمثل في برنامج إنفاق بقيمة 400 مليار دولار ومن المقرر اكتماله في 2013، وتبقى الاستثمارات الحكومية المحرك الرئيس للاقتصاد السعودي الذي يمثل 15% من صافي الناتج المحلي ويوفر قاعدة قوية للثقة في الأعمال بالمملكة ما يعني أن قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة في السعودية أصبح حالياً من بين الأكثر تفاؤلاً في العالم، ومن المقرر أن يصل استثمار رأس المال في 2011 إلى 68 مليار دولار، بانخفاض طفيف عن 2010 الذي بلغ فيه 69 مليار دولار، وربما يعد مؤشراً على قلق الحكومة بشأن زيادة ضغوط التضخم في مواصلة أجواء انخفاض سعر الفائدة. ومع ذلك، بدأ الشعور بفوائد النمو العائدة من البرامج الحكومية الاستثمارية الموجهة، حيث ينعم قطاع التصنيع على وجه الخصوص بدفعة قوية من استثمار رأس المال مباشرة من مدينة الجبيل الصناعية وكذلك مرافق «معادن» الجديدة، وسجل قطاع الصناعة في 2010 نمواً بلغت نسبته 5%، في حين بلغت نسبة النمو في قطاع المرافق (مؤشر جيد على الطلب الإجمالي) 6%، ومن بين القطاعات الرئيسة قطاعي النقل والاتصالات حيث سجلا نموًّا بلغ 5.6% في العام 2010، وذلك بفضل الاستثمارات الحكومية الكبيرة الرامية إلى إنشاء خطوط سكك حديدية وطرق جديدة للوصول إلى الموارد المعدنية الهائلة في الشمال الغربي إلى جانب تحسين مستوى الربط بين المراكز التجارية الرئيسة. وإلى جانب الأنشطة الحكومية اتسم القطاع الخاص أيضاً بالمرونة بالرغم من القلق الذي يحيط بالقروض المصرفية للقطاع الخاص، وقد سجلت القروض التي حصل عليها القطاع الخاص من مصارف المملكة نمواً بلغت نسبه 27% سنوياً من 2004 إلى 2008، وقد سجل معدل الإقراض مؤخراً نمواً بطيئاً للغاية حيث تعرض لتراجع حاد وصل إلى 0.2% في نوفمبر من العام الماضي، وذلك عقب انهيار الثقة التي تسبب فيه التعرض لمجموعتي سعد والقصيبي، ومن المتوقع تعافي ثقة القطاع المصرفي في 2011 بعد التحسينات التي تجري على احتياطيات القروض السيئة. ويعد التضخم من القضايا التي تلقى اهتماماً واسعاً، وما يزال مرتفعاً وفق المعايير التاريخية، وفي 2010 انخفض معدل التضخم عن ذروته في عام 2008 ليستقر عند 5.4%، ويبدو واضحاً أن المصارف والمؤسسات المالية تجمع على حدوث انخفاض بسيط في التضخم هذا العام، رغم أن العوامل الهيكلية الفطرية مثل النقص في المنازل الحضرية سوف تحافظ على عامل الإيجار ضمن مؤشر سعر المستهلك حول 10%، وقد أعلن منذ أيام عن قفزة أخرى في أسعار الغذاء عالمياً ساهمت إلى جانب الأثر الذي تركته سياسة التخفيف الكمي في السياسة النقدية بالولايات المتحدةالأمريكية في تجديد ضغوط التضخم، ولهذا السبب، سيراقب المسؤولون في مؤسسة النقد العربي السعودي بحرص المؤشرات العالمية في الأشهر المقبلة. ويبقى التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد السعودي على المدى الطويل هو التعامل مع المستويات العالية نسبياً في البطالة وسط الشباب، وذلك من خلال الربط بين توفير الوظائف والعدد المتنامي من الشباب المتجه إلى سوق العمل، ويمتاز المجتمع السكاني في المملكة بأنه فتي وسريع النمو، حيث يسجل معدل نمو يبلغ حوالي 750 ألف نسمة سنوياً، والتوجه نحو زيادة عدد المراكز العمرانية الكبيرة في الرياضوجدة، وتتغير البطالة حسب الدورات الاقتصادية، وقد ظلت خلال السنوات الأخيرة فوق 10%، ولكن تبقى القضية الأهم هي البطالة في أوساط الشباب. يتطلب التعامل مع المستجدات الهيكلية قطاعاً خاصاً يمتاز بالحيوية والنشاط ليس قادراً على تسجيل نمو أفقي فحسب، ولكن أن يكون قادراً أيضاً على تحقيق نمو وظيفي، وهما أمران بذات الأهمية، ويعد تزويد بؤر نمو في مدن أخرى غير الرياضوجدة أمراً ذا أهمية عالية، ومن هنا تأتي استثمارات المملكة البالغة 60 مليار دولار في المدن الاقتصادية الأربعة الجديدة، وتعتبر أكبرها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية. تعتبر هذه المشاريع طويلة المدى ذات مجال واسع، وقد صممت للانتقال المؤقت لخطى الاقتصاد السعودي، ومن الممكن مقارنتها مع الموجة الأولى من التنويع الاقتصادي الذي قادته الحكومة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مع إنشاء مدينتي جبيل وينبع الصناعيتين. والاستثمارات الحكومية التي تبلغ نحو 60 ألف دولار للوظيفة الواحدة مما يؤدي إلى إعادة توزيع مميز للعوائد النفطية، ويعتبر ذلك مؤشراً واضحاً على التوجه الحالي للسياسة الحكومية في السعودية، فبالإضافة إلى إعادة توزيع الثروة النفطية مباشرة من خلال قطاع التوظيف في الدولة والمنافع العامة، تتزايد جهود الحكومة لتوجيه الاستثمارات نحو البنية التحتية الاقتصادية التي من شأنها أن تخلق فرص العمل والنمو المستقبلي، وتتوقع الهيئة العامة للاستثمار في السعودية أن تساهم المدن الاقتصادية الأربع في الاقتصاد السعودي ب150 مليار دولار مع حلول عام 2020، ما من شأنه توفير 150 ألف دولار للوظيفة الواحدة ما يعني عائدا مميزا على الاستثمار.