كنا في زيارة لمطابع المصحف الشريف في السودان قبل سنوات، ورأينا تواضع حجمه، وإمكاناته الفنية إذا ما قيس بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينةالمنورة، وحينما وجهنا سؤالاً إلى المشرف العام على تلك المطابع عن مدى التعاون العملي بينهم وبين مجمع الملك فهد أخبرنا بأن التواصل موجود، والاستفادة من تجربة المجمع الرائدة موجودة، ولكنه أشار إلى أمله بأن يكون التعاون أكبر؛ لأن الحاجة إلى طباعة أعداد كبيرة من المصحف للدول الإفريقية حاجة ماسة، ولأن طباعة المصحف الشريف من الأعمال التي تحتاج إلى دقة متناهية حفاظاً على سلامة الآيات القرآنية من الأخطاء الطباعة التي قد تحدث، وحفاظاً على سلامة الترجمة لمعاني القرآن إلى اللغات الأخرى؛ حتى لا يحدث خلل في نقل المعنى، وخطأ في تفسير الآية. وحينما زرت مجمع الملك فهد لطباعة المصحف في المدينةالمنورة وجدت - كما هو معلوم - عملاً ضخماً ينفرد بكونه أضخم مجمع لطباعة المصحف الشريف في العالم، وهو حجم يتناسب مع دور المملكة العربية السعودية الكبير في العالم الإسلامي، كما أنه مَعْلم من أهم المعالم التي تتميز بها بلاد الحرمين الشريفين ولله الحمد والمنة. وحينما اطلعت هذه الأيام على تقرير عن طباعة المصحف الشريف في إندونيسيا، وهي أضخم دولة إسلامية من حيث عدد السكان؛ حيث يتجاوز عدد سكانها مائتين وثلاثين مليوناً، يُشكّل عدد المسلمين فيهم النسبة الأكبر؛ حيث تصل نسبتهم إلى سبعة وثمانين في المائة من عدد السكان.. حينما اطلعت على هذا التقرير فاجأتني مشكلة كبيرة تواجهها إندونيسيا في طباعة المصحف الشريف، تتمثل في أن معظم المطابع التي تقوم على طباعة المصحف مملوكة لغير المسلمين، وأن إندونيسيا تحتاج إلى ملايين النسخ سنوياً، وأن هناك أخطاء في الطباعة تقع في بعض الطبعات سواء أكان في نص الآيات القرآنية، أم في الترجمة، أم في بعض نصوص التفسير والشرح الموجودة على هوامش بعض الطبعات، كما فاجأني ما أشار إليه «علي مهدملي» المشرف على طباعة المصاحف هناك من ضعف مستوى المطابع التي يقوم عليها المسلمون إذا قيست بالمطابع الأخرى، وتساءلت: لماذا هذا الضعف مع أن غالبية السكان من المسلمين؟ ولماذا لا تقوم الحكومة الإندونيسية بدورها في الإشراف المباشر على هذا الجانب المهم ودعمه بالقدرات البشرية، والإفادة من الأسلوب المتبع في «مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينةالمنورة»؛ فهو تجربة رائدة ناجحة - بفضل الله - في هذا المجال؟ ثم خطر ببالي سؤال آخر، هو: لماذا لا يعقد مجمع الملك فهد ندوات دورية تضم القائمين على طباعة المصحف الشريف في العالم الإسلامي، ويقيم مؤتمرات لدراسة وضع طباعة المصحف الكريم وترجمته في أنحاء العالم؟ بل لماذا لا تكون هناك إدارة خاصة معنية بمتابعة إنتاج مطابع المصحف في الدول الإسلامية، وتوجيهها، ومد يد العون لها، خاصة في التدقيق والتصويب، والاطلاع على أصول ما يطبع قبل نشره وتوزيعه؟.. ولعل من الخطوات العملية المباشرة التي يمكن أن يقوم بها المجمع في هذا الشأن أن يستضيف أعداداً من العاملين في مطابع المصحف في العالم الإسلامي؛ لتدريبهم في «مركز التدريب والتأهيل الفني» الذي يُعدُّ من أبرز أقسام مجمع الملك فهد، وهو مركز يقوم - حسب علمي - بتدريب طاقات بشرية من الشباب السعودي وتأهيلها فنياً للعمل في أقسام المجمع بجودة فنية عالية؛ فهو يدربهم في مجالات التحضير والتجهيز والمونتاج والطباعة والتجليد والصيانة وغيرها من المجالات التي تحتاج إليها مطابع المصحف الشريف، وبهذا يقوم هذا المجمع المبارك بدور عملي بارز، ويتجاوز حدود الوطن إلى آفاق العالم الإسلامي في هذا المجال المهم من مجالات خدمة كتاب الله عز وجل. إن إسناد طباعة المصحف الشريف وطباعة ترجمة معانيه وتفسيره إلى غير المسلمين في بلدٍ مثل إندونيسيا أمرٌ غير مقبول، وثغرة كبيرة تحتاج إلى أن نقوم بسدها منعاً لحدوث ما لا يليق بطباعة كتاب الله عز وجل. ونوجِّه من هنا دعوة إلى الحكومة الإندونيسية بأن تبادر بعلاج هذه المشكلة، وسد هذه الثغرة، كما نوجِّه الدعوة ذاتها إلى فضيلة الأمين العام لمجمع الملك فهد د. محمد العوفي لدراسة هذه المشكلة، ومد يد العون لعلاجها. إشارة: إذا عَمَر الإيمانُ قلباً فلن ترى لصاحبه إلا إلى عَزَّةٍ مَسْرَى