رحمك الله يا عم منصور.. هذا الرجل الذي أحبه الجميع وحزن عليه الكثير كان -رحمه الله- نموذجاً يُحتذى في كرمه وأخلاقه، تقياً ورعاً، حازماً جازماً، يحب الخير للجميع، فيه من حلاوة اللسان، وحسن البيان الشيء الكثير، وهو منفس للصدور الضيقة لما لديه من عاطفة جياشة وتقبل للآخر.. وكان حريصاً على طاعة الله وحُب المساجد، وقد ربى لنا من أبنائه من يؤم الناس ويخطب بهم وهو الشيخ عبد الله ابنه الأكبر إمام وخطيب جامع القرى ببللسمر، وجميع أولاده صالحون مستقيمون -نحسبهم كذلك والله حسيبهم، والرجل من أسرة فاضلة معروفة بدينها وقيمها وأخلاقها.. إنه الشيخ منصور بن عايض الأسمري - أحد أعيان قرية القرى ببللسمر، والذي رحل قبل أيام بعد معاناة مع المرض فكان -رحمه الله- بالنسبة لي والداً عزيزاً واحترمه لما يربطني به من علاقة حميمة، وقد عُرف -رحمه الله- بدماثة أخلاقه، فهو لا يبخل بعطائه ونصحه وإرشاده.. كان يحب مخالطة الناس والتقرب منهم لإعطائهم المشورة والرأي، قريب من الصغير والكبير، بسيط في أخلاقه وتصرفاته، لا تفارق البسمة محياه، ومع هذا وذاك لم يكن لديه شهادة الماجستير أو الدكتوراه بل حصل على شهادة الحياة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، حيث تعلم منها فنون الأدب وحسن الخلق ولين الجانب وطيب المعشر، وهذه القيم قل وجودها عند كثير من الناس في هذا الزمان، وقد توفي -رحمه الله- بمدينة الرياض وتلقيت الخبر من رفيق دربه وحبيب قلبه الأخ الفاضل عزيز سعيد الأسمري وكان ذلك ظهر يوم الخميس الموافق 2-2-1432ه، والخبر نزل كالصاعقة وكان بالنسبة لي فاجعة كبيرة لأنني أحسست بفقد رجل بمكانة والدي، والخبر كان أفجع وأفظع حينما أبلغت والدي بخبر وفاته فبكى بكاءً مريراً على هذا الرجل لما بينهما من علاقة أخوية صادقة.. وقد زرته -رحمه الله- في أحد الأيام بعد عودته من الرياض في بداية علاجه وكان يعاني من مرضه الذي مات فيه ومع ذلك كان صبوراً محتسباً ويشعرك بأنه بصحة وعافية، وأثناء جلوسي معه في مجلسه طلب من ابنه عوض إحضار القهوة وكنت أظنها أنها قهوة البن المعتادة التي تعارف عليها كثير من الناس، وإذا بابنه يحضر لنا صنفين من العسل البلدي الذي قد جناه -رحمه الله- من منحلته الخاصة به وقال لي يا أبا أيمن هذه هي قهوتك فالعسل يا ولدي أجمل غذاء للجسد فعليك به، فجعلت ألعقه بشراهة دون استحياء لعلمي بأن ما قدمه هو من أجود أنواع العسل، وتلك هي القهوة التي يقدمها دائماً وأبداً لضيوفه ومحبيه.. الحديث عن العم منصور ومآثره كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.. فقد ترك لنا -رحمه الله- من الذكريات أجملها ومن السمات أعظمها، وسيبقى في قلوبنا ما بقيت الحياة لنا.. ولا أقول إلا كما قال الشاعر: الحي لابد المنايا اتفاجيه العمر له في كل يوم انقراضي من مرض ما أحد غير ربه امعافيه ومن مات عله بعد موته ايعاضي جنات خلد ناعم الثمر فيه يرتاح به عقب الشقاء ما يغاضي الرابح إللي كل فرض امصليه والخاسر إللي عاصي ما استعاضي أسأل الله تعالى أن ينزله منازل الشهداء والصالحين وأن يجمعنا به في جنات النعيم.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. عبد الله بن عبد الرحمن الأسمري