ما تزال الأوضاع السياسية في عالمنا العربي تثير قلق معظم الناس - لا سيما فئة الشباب - وتُحدِث في كثير من النفوس هزَّات عنيفة من الاضطراب، وعدم القدرة على استيعاب ما يجري، فالأوضاع تضطرب بصورة قوَّية أمام عيون الجميع، والدِّماء تسيل، والضجيج الإعلامي يكاد يُصِمُّ الآذان، والتغيُّرات المفاجئة تضيق عن استيعابها الأذهان، والأحوال في كثير من الدول كأنَّما هي على كفِّ كفريت لا تستقر ولا تهدأ، إنَّه الاضطراب في الساحة السياسية والاجتماعية والفكرية في العالم الإسلامي، حيث لا تستطيع فئة الشباب أنْ تستوعبه بصورة حقيقية، وحيث تبرز من خلال ملامحهم الذاهلة عشرات الأسئلة التي تبحث عن جواب صحيح. شاب جامعي قال لي: أما ترى ما يجري في جنوب السودان؟ أما ترى ما يجري من أحداث مؤلمة في فلسطين والعراق؟ أما ترى ما جرى أخيراً في تونس التي فاجأتْ العالم كلَّه بهذه الثورة العارمة التي أطاحت برئيسها الذي ظل على كرسي رئاستها ثلاثة وعشرين عاماً؟ أما ترى الاضطرابات في اليمن؟ أما ترى الإرهاب وآثاره المدمرة في العباد والبلاد؟ أما تقرأ ما يكتب المرجفون من الخليج إلى المحيط؟ أما تشاهد برامج الصراخ، والصراع، والجدل العقيم تضرب على رؤوسنا ليل نهار؟ وظلَّ الشَّاب مستطرداً في أسئلته في استرسال يدلُّ على أنَّه كان مشحوناً بقدر كبير من القلق، والخوف من هذه الأوضاع المتشابكة، فلَّما سكت سكوت المتعَب الذي أنهكه الإحساس بالألم، قلت له: بلى، إنني أرى ما ترى، فقد أصبح الإعلام بوسائله المختلفة قادراً على أن يجعلنا نعيش مع ما يجري من الأحداث، أوَّلاً بأوَّل، فما الذي تريد أن تقوله بعد هذا السيل من الأسئلة؟ قال: خاطبتك أنت لأنني في غَمْرة بحثي عن الاستقرار النفسي، وجدت كتابك (الطريق إلى الاستقرار)، ولم أتجرأ على قراءته إلى الآن خشية ألا أجد فيه ما يمنحني شيئاً من الاستقرار الذي أتوق إليه، ونصحني صديق لي أن أتواصل معك مباشرة لعلك تنتشل روحي المتعبة من قلقها وحيرتها واضطرابها، قلت له: لقد أسعدتني بهذه المكالمة، وهذا الوضوح في طرح اسئلتك، والتعبير عن قلقك، وسأسعد أكثر حينما تصغي إليَّ باهتمام، وحينما تقرأ كتابي الذي ذكرت، فلربما وجدت الطريق الأقصر إلى هدوء نفسك واستقرارها. أيها الفتى المبارك، نحن في عصر اضطراب كبير، سببه الأوَّل هو البعد عن الله سبحانه وتعالى، والتفريط في تطبيق ما شرع لخلقه من شرائع تحقِّق لهم السعادة والاستقرار، وتجنِّبهم ويلات الخلافات، والتأويلات، والتجارب البشرية الخاطئة في سنِّ القوانين ووضع الأنظمة، إنَّ البشر في هذا العصر يهرولون في الطريق المعاكس لطريق الحقِّ والخير والإيمان بالله، ولهذا حدث ما حدث وسيحدث من نكسات واضطرابات وحروب ودمار، وظلم وطغيان ومكر شيطاني عظيم. هنا أيها الفتى يجب علينا - نحن المسلمين - أن نتوقَّف على قمَّة ديننا الإسلامي الحنيف حتى نستطيع رؤية ما يجري على حقيقته، لأن هذه الرؤية السليمة هي التي ستجعلنا قادرين على وضع أرجلنا في مواضعها الصحيحة من الطريق. إن الاضطراب ينشأ - أوَّل ما ينشأ - داخل نفس الإنسان، فإذا اضطربت نفسه من داخلها، وانهزمت جبهته الروحية، أصبح لقمةً سائغةً في أفواه شياطين الإنس والجن، يتلاعبون بمشاعره، وأفكاره، وفطرته السليمة، حتى يصبح مضطرباً كاضطراب أحوال أهل الباطل في كل زمان ومكان. المثل يقول: (إذا عُرف السبب بطل العجب)، ومعنى ذلك أنَّ الإنسان يهدأ ويستقر مهما كانت الأوضاع مضطربة حينما يعرف سبب ذلك الاضطراب، وإذا هدأت نفس الإنسان، استطاع أن يحدِّد مساره، وأنْ تصفوَ علاقته الإيمانية بربِّه، وتزداد ثقته به سبحانه وتعالى، وهنا سيجد بَرْدَ الراحة واليقين والاستقرار. إنَّ هذه الاضطرابات التي تجري في عالم اليوم نتيجةٌ لا مناصَ منها لما وصل إليه الإنسان المعاصر من مبارزة الله سبحانه وتعالى بالمعاصي، ومن المجاهرة بالسوء، ومن إظهار الاستغناء عن شرع الله الحكيم بقوانين وضعها الإنسان لحياته الدنيا - الفانية - فحسب، صارفاً، نظره عن الآخرة وما بعد الموت، ولن ينجو البشر على وجه الأرض من هذا القلق والاضطراب إلا حينما يستطيعون العودة إلى المسار الصحيح، وهو (الطريق الأوحد إلى الاستقرار). أيها الفتى، أنت وحدك تستطيع أن تستقرَّ نفسياً حينما توثِّق صلتك بالله توثيقاً صحيحاً دون إفراط أو تفريط. قال لي ذلك الشاب: لا أكتمك أنني شعرت الآن بشيء من الهدوء. إشارة: لكم أيها الناس صَفْوُ الحياة ولكنكم تعشقون الكَدَرْ