السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.. أصبح الاتصال المباشر وغير المباشر بين دول العالم وثقافته ضرورة حتمية لتبادل الخبرات العلمية والتكنولوجية، ولم تستطع أية دولة أن تعيش في عزلة عن هذه ا لتطورات، ولذلك تسعى كثير من الأنظمة التربوية إلى الاهتمام بتعليم أساسيات أداة الاتصال سواء باللغة الأصلية أو بعض اللغات الأجنبية كثيرة الانتشار والمرتبطة بثقافة العصر والتي منها اللغة الانجليزية. الا انه مع ذلك يخشى كثيرون من هذا الاهتمام الزائد باللغة الاجنبية الذي قد يؤدي إلى تفتيت الثقافة المحلية وانتشار ظواهر غير مرغوب فيها كالتباين الثقافي والصراع الاجتماعي والفجوة الاجتماعية. وعلى ذلك فقد ظهر اتجاهان يدعو الأول منها إلى المحافظة على الأصالة والهوية الثقافية، وينظر إلى تعليم بعض أفراد المجتمع لغات أجنبية خاصة في مراحلهم التعليمية الأولى انه يمكن أن يشكل عاملا أساسيا لتفتيت الثقافة والهوية القومية خصوصا إذا عرفنا أن اللغة الاجنبية لا تدرس من فراغ، وليست مجرد كلمات وعبارات وتراكيب نحوية، وإنما هناك وعاؤها الذي يمدها بالأفكار وفيها ثقافة أهل هذه اللغة وعاداتهم وتقاليدهم ، وقيمهم التي سوف تمثل المكان الأرفع في تشكيل وجدان المتعلم وخصوصا أنها لغة القوم الذين يقال عنهم انهم متقدمون بينما يقال عنا أننا متخلفون. أما الاتجاه الثاني فهو يدعو إلى حتمية الأخذ بمظهر التقدم الحضاري وأدواته، ويشمل ذلك ضرورة تعليم بعض أبناء المجتمع اللغات الأجنبية خاصة التي تتمتع بغزارة ثقافية وعلمية وتقنية مثل اللغة الانجليزية والفرنسية، وذلك لاقتناع بعض المسؤولين والمثقفين بأن التقوقع والانغلاق لا يجديان كثيرا خاصة في عالم من أهم خصائصه الاتصال والانفتاح، وأن تعلم الفرد لغات أخرى بجانب لغته الأصلية هو السبيل الأمثل لتوسيع مداركه، وإثراء تجاربه، كما انه هو أحد السبل في مواكبة التقدم، حتى لا نصبح متفرجين، ومستهلكين فقط لثقافات غيرنا دون وعي أو إسهام في صنع الحضارات المتقدمة. وعلى كل حال فإن المتأمل لهذين الاتجاهين يلحظ أن التعارض والتداخل بين هذين الاتجاهين غير وارد ولكن الاختلاف بينهما في تعليم هذه اللغات للناشئة في بداية تلقيهم لمبادئ العلوم وأساسيات اللغة الأم. إن تعلُّم اللغات الأجنبية الحيّة مطلب أساس في مواكبة التطور والتقدم ولكن ينبغي ألا يكون تعلُّم اللغات الأجنبية يؤثر سلبا على تعلُّم اللغة الأصلية أو محتواها الثقافي والذي يظهر بشكل واضح عند الأطفال وصغار السن إذ إن نضجهم اللغوي لم يكتمل بعد، ولذلك أثبتت الدراسات أن تعلم اللغة الثانية في وقت مبكر يؤثر سلبا على تعلُّم اللغة الأصلية ومن هذه الدراسات دراسة «بيكر Baker» ودراسة «كانتر Kanter 1981م» ودراسة «عفيفي 1989م». أما دراسة «لامبرت» فقد أشارت إلى أن تعلم الطفل غير لغته الأصلية يمثل تهديدا للغته وثقافته الأصلية ودراسة «ميرامونتيز Miramontez» أظهرت أن استخدام التلميذ لأكبر من لغة يضعف من قدرته على التعبير تعبيرا كاملا عن كفاءته التعليمية وتحصيله الدراسي. كما أن دراسة «أو فيلد ofeld 1986م» أوضحت أن التلاميذ الذين يتعلمون لغة غير لغتهم أكثر تعرضا للتسرب والتأخر الدراسي. ومن هنا يبدو لنا أن تعلّم تلاميذ المرحلة الابتدائية لغة أجنبية من شأنه أن يؤدي إلى ضعف تحصيلهم في اللغة العربية وربما يوحي لهم بضعف لغتهم الأصلية وقد يكسبهم هذا التعلم عادات لا تتفق وقيمنا مما يؤدي إلى وجود مظاهر التباين الثقافي داخل المجتمع. وعلى هذا فإن مشروع وزارة المعارف الذي يقضي بتعليم اللغة الانجليزية في المرحلة الابتدائية يحتاج إلى دراسة متأنية تستند إلى أصول ومعايير علمية وتربوية تدرس الواقع وتحلله وتصل إلى آفاق علمية أوسع بحيث نحافظ على ثوابتنا ونبدأ بأولوياتنا. محمد بن شديد البشري مشرف تربوي مركز شرق الرياض