هذا الصرح الحضاري للكتاب الذي اقترب افتتاحه سوف يكون حديث الأوساط الثقافية عالمياً لما يمثله هذا الصرح من توجه لا يوجد الكثير من أنواعه ومع أنني استبق الأحداث في هذه الخاطرة فإن فرحي بتواجده في مدينة عربية لمما يثلج القلب وقد أتيح لي ان استمع إلى طائفة من المفكرين المرموقين والباحثين والنقاد من بينهم أمين مكتبة الإسكندرية الذي تولى رسم نهجها وما سوف تحققه للفكر العربي في مجال التحامه بالثقافات الأخرى. استمعت إلى أولئك المفكرين ومنزلتهم كبيرة في الساحة الثقافية مرحبين بهذه النافذة العلمية في عصر العلم واختراق الفضاء باعتبارها وسيلة لإنارة الفكر العربي الذي ما زالت بعض التيارات الوجلة تخشى عليه من التلوث وكأنما الفكر العربي ليس هو الذي أمد شعوب العالم منذ عدة قرون بمشاعل الثقافة والفلسفة ومختلف العلوم الإنسانية وحماسي منبثق من كوني أثق بالفكر العربي حتى وإن اختلفت مع بعض تياراته كما نؤمن بحاجتنا إلى مناقشة الرأي الآخر الذي يحاول ان يسيطر على عقولنا بمظاهر القوة التي تدعم عجرفته لقراءة فكره، ان الفكر الغربي لم يصل إلى هذا المستوى لولا إطلاق العنان لرجال الثقافة وقادة الفكر إذ منحوا حرية مفقودة في معظم المجتمعات الشرقية وهذه المشكلة سوف تبقى عقبة في وجه أي تقدم تتوخاه هذه المجتمعات لأن بعض المسيطرين الذين لا تتسع نظرتهم إلى الشمولية والوعي ما زالوا يعاملون شعوبهم كأطفال كبار يحتاجون إلى الحماية بأساليب القمع أمام كل فكر وافد وكتاب حديث لا يفرقون بين النخب المتفتحة الواعية وبين عامة الناس حتى أصاب الشلل والإحباط العقول المستنيرة من هذا الواقع المؤلم مع العلم بأن وسائل الاتصالات قد ألغت كافة الأسوار في وجه انتشار المعرفة وتواجد الكتاب، بينما الدين الإسلامي يحث على التزود بشتى أنواع العلم والمعرفة عن طريق القراءة والاطلاع وقد تمكن صموده الواعي من مقارعة الحجة بمثلها منذ نزول الرسالة على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ورغم استفحال الجهل في تلك العصور فقد ملك ديننا الحجة بقوة المنطق حتى هزم خزعبلات الشرك. ان تعميق الثقافة وانتشارها على مختلف المستويات هو الوسيلة الناجحة في صد أي مفاهيم لا تناسب مجتمعاتنا وهذه مهمة رجال التعليم والجامعات إذ لابد أن نجعل المدارس بما تحويه من مكتبات متنوعة وهي منارات العلم الأولى وركائزه في مستوى ما ننتظره من خريجيها. وعلى الجامعات بالذات ان تواكب خططها ومناهجها ما يفتح العقول ويدفع إلى المزيد من البحث والقراءة الجادة حتى بعد التخرج إذ ليست الشهادات هي الهدف من هذه المشاعل العلمية انما هي وسيلة إلى ما هو أشمل وأعم، نحن بحاجة إلى العقول المتفتحة التي تجد من يشجعها على البحث المتواصل وليس تعليق الشهادات المفرغة من المضمون العلمي ومن بين تلك الوسائل جعل المكتبات العلمية قبلة الجيل حتى يجد في ما تحويه من كتب راقية الإجابة على تساؤلات تملأ رأسه وعقله التواق إلى المزيد من العلم. ومكتبة الإسكندرية التي بدأت بها هذه الخاطرة هي العنوان الذي ننشده حتى وإن تواجدت في بلد آخر وعلى جامعاتنا أن تستفيد من تجربة هذه المكتبة التي سوف تحوي حتى الأفكار التي لا تؤمن بها انما التي عن طريقها نفهم كيف يفكر الآخر وما يخطط له لتتسع رؤيتنا وتزداد ثقتنا بالقدرة على العطاء لشعوبنا والنقاش المستمر هو السبيل لإنعاش وعينا. للمراسلة: ص.ب: 6324 الرياض: 11442