قلَّ أن تجد بين ركام الرسائل الإعلامية التي تتحدث عن الضربات الموجهة إلى نيويورك وواشنطن ما تقف عنده إعجاباً وتقديراً، وعندما سمعت وقرأت عن البيان الذي أصدرته دول التحالف الأوروبي عن موقفها تجاه هذا الحادث قلت: لن يصدر موقف أكثر حكمة وعقلانية مما تضمنته فقرات هذا البيان الذي ورد فيه: أن دول التحالف الأوروبي ستقدم مساعدات أمنية وليست عسكرية (هكذا بالنص) للولايات المتحدة، وأن دول التحالف الأوروبي ستقدم العون للولايات المتحدة في البحث عن الأسباب(؟!) التي أدت إلى هذا الهجوم. ثم صرح أحد قادة التحالف الأوروبي قائلاً: (إن علينا في هذه المرحلة العصيبة التي فقدت أمريكا فيها توازنها أن نهدىء من روعها وأن نجعلها تتصرف برشد، بعيداً عن التصرفات الطائشة التي قد تنتج من حالة الغضب التي تعيشها). وعشت أياماً أضرب نموذجاً للتعامل السياسي الأمثل مع الحدث من خلال بيان دول التحالف الأوروبي، حتى قرأت مقالاً للسياسي الأمريكي المخضرم وعضو الكونجرس الأسبق (بول فندلي) صاحب كتاب (من يجرؤ على الكلام They Dare To Speak Out)، فيه نظرة راشدة للأحداث التي عصفت بالولاياتالمتحدة في الأيام الخالية، وهي نظرة تتلخص في عنصرين أساسيين. * الواقعية. * والإنصاف. أما الواقعية فقد ذكر فندلي أن البحث عن أسباب الكارثة أساس لعدم تكرارها، وإلا أصبحت الولاياتالمتحدة تعيش حالة الهجوم ثم الانتقام إلى ما لا نهاية، وسياسة أمريكا الخارجية الخرقاء والمتصهينة هي وعاء هذه الأسباب ومرتكزها. وأما الإنصاف فقد نادى فندلي الشعب الأمريكي بأعلى صوته، ليصحو من غفوته وسباته، وليعلم أن ما أصابه يوم (الثلاثاء الأسود) هو قليل مما ذاقته ولا تزال تتجرعه شعوب مظلومة ومغلوبة على أمرها آناء الليل وأطراف النهار. بول فندلي صوت عاقل في دوامة الغضب التي تعيشها أمريكا، وصراخ الأصوات اليهودية التي تعج بها وسائل الإعلام الأمريكية، ولكن أباطرة الإعلام لن (يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد)!!