لم تعرف المنطقة الوسطى (نجد) المدارس النظامية، قبل تأسيس الدولة، وإصدار نظام توحيد المملكة، بالأمر الملكي في الرياض يوم 17 جمادى الأولى عام 1351ه، بل كان التعليم على نظام الكتاتيب (المطاوعة) في المدن والقرى والهجر، وبعدها لمن يريد الزيادة الإنتجاع الى مكان المشايخ والعلماء في الرياض وفي الحواضر، ، يتحدث الزركلي عن ذلك فيقول: وأما (المطاوعة) فهم في الهجر والقبائل، يختارون على الغالب من متعلمي الهجر والمدن القريبة من القبائل، وأول ما عليهم أن يعلّموه: القرآن الكريم، وأركان الإسلام، والعبادات ومبادىء من المعاملات والقراءة والكتابة، ثم بعض المعلومات العامة التي يسترشد بها الطالب، في دينه ودنياه، أو على الأقل تخرجه من الأمية المطلقة، ولا يقتصر عمل المطوع أو المرشد في القبيلة على التعليم، بل ربما كان هذا أقل ما يقوم به، فهو واعظ القبيلة، وخطيب مسجدها، وإمامها في صلواتها، وكاتب رسائلها، والمصلح بين المختلفين من أعضاء أسرها، والمتولي لعقود الزواج فيها، وقد يكون مرجعها الدينيّ في كل شيء، وله في غير الأمور الدينية والتعليم، رأي مسموع في شؤونها العامة والخاصة، ولم يتيسر لي الحصول على إحصاء لعدد المطاوعة، في صحارى المملكة، وعدد من يتلقى العلم عنهم، وفي حسباني أن عدد الفريقين كبير، على خلاف ما رأينا في المدن، حيث يتولى القضاة أعمالاً أوسع، من أعمال المطاوعة، وحيث تقف النفقات الرسمية عند حدود معيّنة، لا يستطيع القائمون على إدارة المعارف تجاوزها، ونعود إلى محمد حلمي في خواطره، حيث أورد «20» عشرين قراراً من جلسات مجلس المعارف، برئاسة مدير المعارف، وحضور أعضائه المذكورين في الحلقة السابقة، منها يتبيّن وضع التعليم، وبساطة الإجراءات، وسهولة اتخاذ القرار مع الملك شخصياً، فالجلسة الأولى انعقدت في يوم السبت 19 محرم 1347ه للنظر فيما يجب اتخاذه من الإصلاحات في الأمور الآتية: 1 اصلاح أمر التدريس في المدرسة الإبتدائية واستكمال نواقصها من أدوات مدرسية ومعلمين، 2 تخصيص معلميها في الفنون التي يدرسونها كل بحسب اختصاصه، 3 البعثات العلمية التي ترسل من مكة الى الجهات، وتسهيل الطريق في ذلك، وما تحتاجه من اللغات الاجنبية، 4 ادخال اللغة الاجنبيّة في المدارس بصفة ابتدائية، 5 المعهد العلمي وجعله بحالة يمكن انتفاع الحكومة والبلاد منه، وقد اتخذت التوصيات التالية في هذه الجلسة: أرجىء البت في الفقرة الأولى، ، أما الثانية فوافق المجلس عليها لما في ذلك من النفع، والثالثة ظهر للمجلس بعد البحث أن العقبات التي تحول دون التحاق أفراد البعثات بالمدارس التي يراد تخصصهم فيها ناشئة عن عدم إلمامهم بإحدى اللغات الأجنبية المعتبرة، لغة علمية، فقرر المجلس بالإتفاق السعي في إزالة هذه العقبة بالعمل على إدخال إحدى اللغات الأجنبيّة، وأما المادة الرابعة فوافق عليها المجلس بالإجماع، لأنها فرع للمادة الثالثة، وأما الخامسة: فظهر للمجلس بعد البحث أن أوفق طريقة لجعل المعهد نافعا بحسب الظروف الحاضرة هي: أن ينشأ فيه الآن قسم واحد وهو قسم المعلمين، وأن يكون هذا القسم على صفّين داخلي وخارجيّ، وأن يكون عدد الطلبة الملتحقين به أربعين شخصاً، موزعين على القسم الداخلي والخارجي، وأن يجعل للداخلي: كسوة وطعام مرتين في السنة، وأن يجعل لهم مسكن خاص بهم، تقوم بدفع أجرته الحكومة، وأن يعطوا بعد هذا مساعدة شهرية نصف جنيه، والقسم الخارجيّ يعطى كل تلميذ منه، مساعدة شهرية جنيهين، مع اعطاء الجميع ما يلزمهم من الأدوات والكتب على حساب المعارف، وفي الجلسة الثانية التي انعقدت بعد اسبوع فقط في 26 المحرم 1347ه، أخبرهم الرئيس حافظ وهبة: بأن جلالة الملك، أيده الله، قد وافق على ما جاء في قرار الجلسة الأولى، وفيما يتعلق بالمعهد ما عدا الصف الداخلي، من قسم المعهد، فقد استحسن جلالته أن يكون قسماً خارجياً، ، ثم ناقش المجلس 3 مواد مطروحة وهي: 1 الفنون التي تدرس بالمعهد، 2 جلب أساتذة متخصّصين في التربية والتعليم، واللغة الأجنبية، وآداب اللغة العربية، 3 اختيار الكتب التي تدرّس بالمعهد، فالمادة الأولى قرروا 24 فنا، ولا شك أن هذا كثير، ولكن يدل على مستوى المعهد وجديّة الدراسة، والمادة الثانية: تقرر جلب شخصين من دار المعلمين العليا بمصر: أحدهما للتربية والتعليم وخواص الأجسام، والثاني: اللغة الأجنبية والجغرافيا والتاريخ، وأن يجلب شخصان من حاملي البكالوريا لتعليم الانجليزية في مدرستي جدةومكة الإبتدائيتين، أمّا المدرسة الإبتدائية بالمدينة فيؤجل جلب استاذ لتعليم اللغة الانجليزية إلى أجل قريب، أما المادة الثالثة: فأرجىء النظر فيها إلى الجلسة الآتية، ، وتقرر اتفاقياً تعيين بهجت البيطار مفتشاً لعلوم الدين، في المدارس الأميرية والأهلية بمكةوجدة، وأن يستعان في اختيار الأشخاص المتخصّصين اللاّئقين بحضرة عبدالحميد بك سعيد، رئيس جمعية الشبان المسلمين بمصر /القاهرة، والجلسة الثالثة بتاريخ 22 ربيع الثاني 1347ه خصصت للإطلاع على مفردات المعارف العامّة في الميزانية، وكانت تبلغ: ثلاثة ملايين ومائتين وسبعين ألفاً، وأربعمائة وأربعين قرشا أميرياً (440، 270، 3) قرشاً، والجلسة الرابعة: المنعقدة في 1/5/1347ه فكانت مخصصة لصيغة التعهد الذي يؤخذ على الطالب بالمعهد العلمي السعودي : بشروط خمسة أبرزها المثابرة على الدراسة ، وأن يخدم الحكومة بعد التخرج معلما ً لمدة خمس سنين ، وإذا لم يقم بذلك يلتزم وليّه بدفع المصاريف والتكاليف المدرسية التي صرفتها عليه إدارة التعليم ، ، تعهد بإمضاء الطالب والعمدة وولي الأمر، والجلسة الخامسة: تتعلّق بمدرس مصري أصرّ على إرجاع عائلته على نفقة المعارف، واسمه الشيخ الغزالي بتاريخ 15/5/1347ه، أما الجلسة السّادسة بتاريخ 27/5/1347ه فخصّصت بشأن الموظفين من الخارج، وصيغة الإتّفاق معهم ما لهم وما عليهم، وهو ما أطلق عليه فيما بعد العقد من الخارج، وقد جاء في 15 مادة آخرها: يرجع في حل الخلاف إلى المحاكم الشرعية الحجازية، والجلسة السابعة بتاريخ 12/6/1347ه فكانت مخصصة لدراسة الشكوى المقدمة من أهالي وتجار الوجه في حق مدير المدرسة وهو لبنانيّ، وكفّ يده عن العمل إجراء التحقيق، والجلسة الثامنة بتاريخ 27/4/1347ه ولعل صحة التاريخ 27/6/1347ه، كانت لبحث ما ارتكبه طالبان في المدرسة الإبتدائية بالمدينة، حيث قرر المجلس طردهما طردا قطعيا من المدرسة، وتوكل عقوبتهما للدائرة المختصّة، وفي هذه الجلسة درس تأسيس مدرسة في رابغ، ومن هو الذي يصلح أمر إدارتها، فتقرر أن يكتب لأمير رابغ بالإستيضاح عما إذا كان يوجد لديه من يصلح لذلك أم لا؟ كما بحث في هذه الجلسة سراج الدين العباسيّ تأسيس مجلة دينيّة باللغة الجاوية، فقرر المجلس الموافقة على اصدار هذه المجلة على ألاّ يطبع منها شيء حتى يعرض على إدارة شعبة الطبع والنشر وتقرّه، وعلى أن يغير اسمها باسم آخر، وذلك بعد عرض هذا الطلب من مديرية المعارف على مقام النيابة العامة، وفي نهاية هذه الجلسة تم بحث مأذونية الأستاذ الشيخ بهجت البيطار، المنوه عنها بمذكرة وكيل مدير الشؤون الخارجية برقم 3/50/2 تاريخ 26/6/1347ه فقرر المجلس احالتها الى المقام السامي لأن الشيخ بهجت كتب لمدير المعارف بأنه كتب إلى المقام السامي، تمديد مأموريّته اسبوعا أو اسبوعين، والجلسة التاسعة بتاريخ 8/7/1347ه وقد تضمنت 6 مواد عرضت في هذه الجلسة وملخّصها: 1 كتاب الشيخ حافظ وهبة بخصوص الأساتذة الستة الذين عينهم لمدارس الحجاز، 2 مذكرة مدير مدرسة الوجه رقم 83 تاريخ 23/6/1347ه، بخصوص حمزة أحمد الذي يراد تعيينه معلماً ثاني لمدرسة ضبا ، 3 مذكرة النيابة العامة رقم وتاريخ 7/7/1347ه بخصوص طلب مكي الساسي في فتح مدرسة لتعليم اللغة الإفرنسية، 4 مذكرة مدير مدرسة جدة الابتدائية المرفقة بكشف طبي يشهد بمرض الأستاذ النحاس أحد أساتذة مدرسة جدة الإبتدائية، وأن هواء جدة لا يوافق صحته، 5 مذكرة قائمقام العلا رقم 10 تاريخ 18/6/1347ه المرفوعة لمقام النيابة العامة، والمحولة على المعارف برقم وتاريخ 7/7/1347ه، وهي تتضمن تعيين معلم للعلا للحاجة إلى ذلك، 6 مذكرة من النيابة العامة بتاريخ 6/7/1347ه، بموضوع معلمي الصّبيان بجدة، واسترحامهم تخصيص مرتبات لهم كأمثالهم معلمي الصبيان في المدينة، فأما الأولى، فوافق الجميع على تعيين الستة الذين عينهم مدير المعارف، على أن يكون علي افندي رضا مفتشاً للمعارف بمنطقة مكة والطائف وقرى الحجاز، وعبدالمنعم أفندي الدشلوطي مفتشاً في منطقة جدة وينبع والوجه وضبا والمدينة وضواحيها براتب شهري لكل منهما 23 جنيهاً انكليزياً، ، تصرف من غرة رجب عام 1347ه، وأن يكون الأستاذ: سيد بيومي سيد مديراً لمدرسة الصفا الأميرية، والأستاذ سيد أحمد علي مديراً لمدرسة المعلا الأميرية، والأستاذ محمد بيومي أحمد مديراً لمدرسة الشبيكة الأميرية، والأستاذ محمد رزق موسى، مدرساً وخطاطاً بمدرسة جدة الأميرية، براتب شهري لكل منهم ثمانية جنيهات إنكليزية اعتباراً من غرة رجب 1347ه، وأن يكون المديرون الحاليون معاونين لهم، برواتبهم الحالية الآن، اعتباراً من التاريخ المذكور، وأما الثانية فوافق المجلس على تعيين حمزة أحمد مدرساً ثاني بمدرسة ضبا التحضيرية براتب أربعة جنيهات انكليزية شهريا اعتبارا من تاريخ مباشرته، وأما المادة الثالثة فيرى المجلس أنه لا مانع من إجابة طلب مكي الساسي، إذا كان ذا خبرة في اللغة الإفرنسية، على ان البلاد في حاجة إلى تعلم ما هو أهم من ذلك، والمادة الرابعة: تأجل النظر في طلب الأستاذ النحاس، إلى يوم السبت 10/7/1347ه، والمادة الخامسة: بخصوص تعيين معلم لقرية العلا، فيرى المجلس أن يعين لهم معلم من فصل المدارس القروية عند تصديق الميزانية، والمادة السادسة: يرى المجلس أن يجري مع معلمي الصبيان بجدة، ما جرى مع اخوانهم بالمدينة تنشيطا لهم، وتعميما لنشر العلم، وذلك بتخصيص جنيهين انكليزيين لكل واحد، فيخصص لهم عشرة جنيهات راتبا شهريا، ويضاف هذا المبلغ على الميزانية الجديدة، والجلسة العاشرة بتاريخ 19/7/1347ه، فقد تناول البحث فيها، موضوع مدرستي قبا والجرف المؤجل من الجلسة الثامنة في 27/4/1347ه، فقد تلي ما ورد من الشيخ عبدالرزاق حمزة، ومدير المدرسة الإبتدائية بالمدينة من تقرير، وقرر المجلس جعل راتب كل معلم بمدرستي قبا والجرف، ثلاثة جنيهات تؤخذ من المقرر في الميزانية لمعلمي قبا والجرف، اعتباراً من غرة رجب عام 1347ه، وأن تفتح مدرسة قروية في قرية الشريبات، ويعيّن فيها معلم، براتب جنيهين انكليزيين، في الشهر من المقرر في الميزانية للمعلم الأول في المدارس القروية، وقرر المجلس أيضاً في مسألة البواب، لمراقبة التدريس في المدينة: ابراهيم جبريل، حيث إنه أدرج في الميزانية الجديدة، فيستحق راتبه من غرة رجب عام 1347ه، بعد تصديق الميزانية، وأما بالنسبة للمادة السابعة، فالجواب عنها ما أجابت به النيابة العامة بشرحها رم 1111/47 تاريخ 29/7/1347ه، وأما بالنسبة للأستاذ النحاس الذي لم يلائم صحته هواء جدة، فقرر المجلس أن يرخص له بإجازة أسبوع ليغير الهواء في العاصمة، ابتداء من يوم الخميس 22/7/1347ه، ثم في هذه الجلسة تلي الكتاب الوارد من أمير رابغ، بشأن المعلمين الموجودين لديه، فقرر أن توضع اسئلة ويبعث بها إلى أمير رابغ، الاختبار المعلمين الذين أشار إليهم بكتابه، وأن يضعوا الأجوبة عليها، وتعاد ثانياً للمعارف لمعرفة درجة كفاءتهم للتعليم، من هذه الجلسات العشر التي أوردناها بنصّها، ، ليطّلع عليها القارىء، عن كيفية تسيير العمل في تلك الأيام من حيث: 1 أن مجلس الشورى الذي تأسس عام 1345ه كان من الأنظمة التي وضعها: مناهج الدراسة بالمدارس الأميرية، ونظام تحديد صلاحية مجلس المعارف ومديرية المعارف، ونظام مفتشي المعارف، ونظام المدارس الأهلية وغيرها، 2 انه رغم تأخر تحسّن العلاقات ثم الإعتراف الرسمي طيلة حياة الملك فؤاد، حتى توفي عام 1355ه، فإن أغلب المدرسين والمفتشين كما مرَّ بنا كانوا من مصر، وبعضهم من بلاد الشام، 3 ورغم ان الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، قد ضرب العملة بالريال الفضّة عام 1344ه، الحجم الكبير، وفي عام 1346ه بالحجم الأصغر، بالريال ونصف الريال وربع الريال باسم: ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، إلا أن المرتبات كما مرّ تحدد بالجنيه الانكليزيّ والقروش، والميزانية تتحدد بالقروش، ولعل القرش ذلك الوقت يعادل 100 قرش مثلما هو سائد في مصر، وعلى هذا تصبح الميزانية المحددة في الجلسة الثالثة (32704) جنيهاً انكليزياً، للمعارف عام 47 1348ه، 4 أنه لم يوجد سلّم ثابت للتعيين في التعليم، بل الأمر يخضع لمرتبات مجلس المعارف بتحديد الراتب سواء للمعلم أو المدير أو المفتش أو البواب، وأن مرتب القرية أقل من مرتب المدينة، 5 أن المدرسين للإبتدائي بدأ جلبهم من الخارج بعقود، وفي الحديث نستكمل الجولة مع أوليات التعليم في المملكة، والتي تعتبر نافذة على مبدأ مسيرة التعليم، الذي اهتم به الملك عبدالعزيز، منذ بدء المسيرة لتوحيد أجزاء المملكة بحسب الإمكانات المتاحة، ثم وسّع دائرته أبناؤه من بعده، «للبحث صلة» ذكاء امرأة: تزوّج الحجاج بن يوسف هند بنت أسماء وكانت ذات جمال وحسب وذكاء، ولم ترتح نفسها للحجاج، ودخل عليها يوما وهي تصلح نفسها أمام المرآة وتقول: كما جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة الجزء الخامس: وما هند الإ مهرة عربيّة سلالة أمجاد تحلّلها بغل فإن ولدت مهراً فللّه درّها وإن ولدت بغلاً فوالده بغل فانسلّ الحجاج وأرسل إليها ابن القرية بأن يأتيها، فيطلّقها بكلمتين، ويمتّعها بعشرة آلاف درهم، فأتاها فقال لها: إن الحجاج يقول لك: كنت فبنتِ، وهذه عشرة آلاف متعة لك، فقالت: قل له: كنّا فما حمدنا، وبنّا فما ندمنا، وهذه العشرة الآلاف لك، ببشارتك إياي بطلاقي، ، فلما علم عبدالملك بن مروان الخليفة أرسل إليها يخطبها، ، فقالت للرسول: قل لأمير المؤمنين: إن الكلب قد ولغ في الإناء، فأعاد الرسول إليها ليقول: إن أمير المؤمنين، قد تبلَّغ بما قلت، ويقول لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فأغسلوه سبعاً وعفّروه الثامنة)، فقالت للرسول: قل لأمير المؤمنين: إنني أوافق على شرط أن يحملني إليك موكب تأمر الحجاج أن يجهزه، وأن يقود جملي الحجاج نفسه، ممسكاً بخطامه من الكوفة، حتى أصل أمير المؤمنين في دمشق بالشام، وأن يسير هذا الطريق من العراق إلى أرض الشام حافياً، ، فوافق على ذلك أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان، ، وكتب بهذا للحجاج وأن يجهّزها بما تريد وما يليق بها، كزوجة تزفّ إلى أمير المؤمنين، ، فلم يسع الحجاج إلاّ السمع والطاعة، وبعدما انتهت عدّتها، أرسل إليها يخبرها بأمر أمير المؤمنين، وماذا تريد في موكبها، ، فأملت على مرسوله ما تريد، ، فتم ذلك، ، وحان موعد السفر، ، فركبت بمن معها وكان لها هودج هي التي طلبت تجهيزه وما يجب فيه، ، والحجاج يكاد ينفجر غيظاً ولكنه لا يستطيع معصية أمير المؤمنين، أناخ الحجاج الجمل المخصص لهند بنت أسماء، وركب الجميع، إلا هند فقد تباطأت قصداً منها في إذلال الحجاج الذي كان واقفا بجوار الجمل ممسكا بخطامه، وهو معقول، ، فلما ركبت قالت يا جمّال سر، وكانت تأمره بالوقوف وبالمسير كيفما تشاء، ولما أقبلت على دمشق، رمت ديناراً وقالت: يا جمَّال سقط مني درهم فابحث عنه، فأوقف الجمل وصار يبحث فقال: لم أجد درهماً وإنما وجدت ديناراً، قالت: الحمدلله الذي أبدل درهمنا بدينار، ، فلما علم بذلك عبدالملك ضحك وأعجب بذكائها،