الأحساء وأشيقر من مدن العلم في شبه الجزيرة العربية؛ فأما الأحساء فكانت تأتي في المرتبة الثالثة في الناحية العلمية بعد مكة والمدينة، كانت مهداً لكثير من الحضارات والثقافات، وزارها كثير من العلماء الذين نهلوا من معين علمائها. قال العلامة محمد بن أحمد العمري في منظومته التي عدد فيها علماء الأحساء الذين التقى بهم في العقد التاسع من القرن الثاني عشر الهجري(1): جئتُ إلى الأحساء أحسن كل ما في الأرض من بلد بغير مراءِ فأقمتُ فيها مدة أجني جنى ثمرات روضة لذتي وصفائي ووجدتُ أهليها مشايخ سادة صافين من حسدٍ ومن بغضاءِ وأما أشيقر فبرز فيها علماء أفاضل كثيرون خلّدت الوثائق والمخطوطات أسماءهم في ذاكرة التاريخ، وأثرى علماؤها حركة العلم بالتأليف والنسخ والفتاوى. وقد تعددت أوجه اتصال علماء أشيقر بعلماء الأحساء حيث زار بعض علماء أشيقر مدينة الأحساء للنهل من عطاء علمائها وأخذ الإجازة عنهم، ومن أمثلة ذلك أن الشيخ إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف زار مدينة المبرزبالأحساء ودرس الفقه الحنبلي على العلامة محمد بن عبدالله آل فيروز(2)، وقد آلت بعض الكتب التي نسخها إلى علماء الأحساء حيث تملك الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل كثير (ت1349ه) كتاباً. والشيخ محمد آل كثير من فقهاء المالكية البارزين(3) في مدينة المبرز وعُرِف بكثرة النسخ وحبه لتملك الكتب وخطه معروف عند علماء الأحساء. وقدم الشيخ عبدالمحسن بن علي بن شارخ الحنبلي الأشيقري إلى الأحساء في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري وقرأ كتاب مختصر المنقع على الشيخ عبدالله بن محمد آل فيروز، وكتاب المنتهى على العلامة محمد بن عبدالله آل فيروز(4). وسافر إليها العلامة إبراهيم بن صالح بن عيسى فلازم القاضي عيسى بن عبدالله آل عكاس (ت1338ه)(5). وأشير أيضاً إلى أن علماء أسرة آل فيروز التي ترجع أصولها إلى مدينة أشيقر استقروا في الأحساء وسكنوا محلة مشرفة، وتولوا التدريس وإمامة بعض المساجد، ومن أبرز علماء هذه الأسرة: 1 الشيخ محمد بن عبدالوهاب آل فيروز: فقيه وقاض، تولى مهام تدريس الفقه الحنبلي بالأحساء، والقضاء في مدينة الكويت، ويرى الشيباني أن الشيخ محمداً تولى قضاء مدينة الزبارة قبل قضاء الكويت(6) وفي هذا الرأي نظر من وجهة نظري لأن مدينة الزبارة أُسست في العقد التاسع من القرن الثاني عشر الهجري والشيخ محمد توفي سنة 1135ه. وقد خلفه في قضاء الكويت تلميذه أحمد بن عبدالجليل النجدي. 2 الشيخ عبدالله بن محمد آل فيروز: فقيه، ومفسر، كان له اهتمام بالتعليق على كتب المذهب الحنبلي، وكانت وفاته سنة 1175ه. 3 الشيخ محمد بن عبدالله آل فيروز: علامة فقيه، ومحدث بارز، ويعد اسناده من الأسانيد العالية في علم الحديث، تولى مهام كثيرة منها التدريس في المدرسة السليمانية بالعراق وطبعت بعض آثاره في الهند مثل الرسالة المرضية، ودعاء ختم القرآن الكريم. 4 الشيخ عبدالوهاب بن محمد آل فيروز: فقيه، وقاض، وشاعر مجيد، وله (حواشي) مخطوطة على بعض الكتب في الفقه وأصوله والحديث. 5 الشيخ أحمد آل فيروز: من علماء القرن الثالث عشر الهجري أخذ علمه عن العلامة محمد عبدالله آل فيروز، وأوقف عليه بعض الفضلاء كتباً كثيرة تدل على علو منزلته. 6 الشيخ عبدالله طيف آل فيروز: من علماء القرن الثالث عشر الهجري، وله فتاوى فقهية وكان مرجع الحنابلة في الأحساء في عصره وترجمتُ له ترجمة قصيرة في كتابي عن علماء مدينة المبرز يسَّر الله نشره، ويرد ذكر هذا الشيخ في كثير من الوثائق الشرعية. وأرسل عدد من علماء أشيقر الأسئلة العقدية والفقهية إلى علماء الأحساء لمعرفة آرائهم في المسائل، وخير مثال على ذلك أن العلامة أحمد بن محمد بن بسام أرسل سؤالاً في الأسماء والصفات ومجموعة من الأسئلة الفقهية إلى العلامة إبراهيم بن حسن الملا الحنفي (ت1048ه) فأجاب عليها في رسالة لاتزال مخطوطة اسمها: «الأجوبة الابتسامية على المسائل البسّامية» وهذه الرسالة موجودة ضمن مخطوط يسمى الفتاوى الإبراهيمية في مسائل الحنفية، جاء في أول الرسالة: (هذه أجوبة مسائل وردت علي من قطر العارض سألني عنها الشيخ الأجل الأمثل الأخ في الله سبحانه الشيخ أحمد بن محمد بن بسام في مكتوب أرسله إليّ). (1) تحفة المستفيد للشيخ محمد العبدالقادر: ص365. (2) السحب الوابلة للشيخ محمد بن حميد: 1/15 17. (3) العلماء والكتاب في أشيقر للأستاذ عبدالله البسيمي: ص133. (4) السحب الوابلة: 2/668 670. (5) مجموع ابن عيسى: الورقة رقم