أيقنت (منى).. بأن المسافة بينهما.. شاسعة.. وانها مجرد سقط متاع في عالمه الذي يعج بالذكريات والمغامرات، قررت أن تبتعد عنه بعد أن ذاقت ويلات العذاب والذل والإهانة.. كانت تسمع عن الحلم الوردي والفارس المعتد وعن شهر عسل يأخذها «هو» على بساط ريح الى عالم مليء بالود والحب والرحمة ولكنها ارتطمت على صخرة واقعة.. فأفاقت من حلمها الوردي على أرض مثقلة بالهموم، التفتت حولها.. رأت أشياء غريبة.. رأته في عالمها جلادا يؤلم كل شيء جميل بل ويسعى لانتزاعها من كيانها ليرمي بها تحت قدميه.. كجارية لا رأي لها!! لقد صرعها.. بقسوته.. رغم أنه متعلم.. ومثقف وواع ولكنه في قرارته ابن القرية الذي يستحي من ركوب المرأة الى جانبه في السيارة ويستحي من إيصالها للسوق ومن رؤيته يمشي معها في الأماكن العامة!! جاهدت منى.. وحاولت التفاهم في دفع عجلة حياتها.. أرادت أن تقول له بأن المرأة في حياته نصف آخر وشريك له وهي كيان له احترامه وقدره كما أعطاها الإسلام هذا الحق ولكنه لا يريد أن يسمع أو يفهم أو يعي بأن لها هذا الحق.. فأسرف في ظلمه وانتهت تجربتها الى نهاية حتمية يتجرع ويلاتها صغارها.. تساءلت منى: أي حياة أفضل وجوده وإهاناته واستحقاره واستصغاره لها أم فلذاتها أم بعده وعيشها الكريم بدونه؟! لقد أدمى يديها.. بأشواكه فهي لم تحصل على الورد ولم تحافظ على سلامة يديها لأنها أيقنت أن عالمها جميل وأنه قبح يحاول تشتيتها وأيقنت أيضا بأنه مريض بنموذجه «القروي» الذي يعتمد على طحن المرأة من أجل أن يقال إنه «الرجل»! أيقنت بأن عليها اتخاذ القرار لأنها تريد أن تكون شيئا ذا قيمة ذا وجود وكرامة.. رغم أن الآتي صعب.. وصغارها.. سيعانون ولكنها معاناة انفصال.. أرحم من وجوده الذي يذيب في داخلهم الاحترام لوالدتهم كلما رأوا معاملته الدونية!! أرادت منى .. البعد.. عن ثقافته وفكره وعلمه.. لأنها مجرد شهادات لم تعدل سلوكه ولم تطور من مستوى تفاعله معها، لم يستطع العيش معها لأن هناك ترسبات بداخله تتشعب وتتعمق الى أدق الأشياء في حياته فتحوله الى وحش كاسر بدلا من أن يكون حليما رحيما بها..!!