قال أمية بن أبي الصلت يعاتب ابنه، وقد أبدى له عقوقاً : غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعلُّ بما أدني إليك وتنهلُ إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت لشكواك إلا ساهراً أتململُ كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقتَ به دوني وعيني تهملُ فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ماكنتُ منك أؤمِّلُ جعلت جزائي منك جبهاً وغلظةً كأنك أنت المنعم المتفضلُ فليتك إذ لم تَرعَ حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعلُ فأوليتني حق الجوار ولم تكن عليّ بمال دون مالك تبخلُ قلت: هذا الصوت المثقل بالعتاب، كثير الهموم أعاد إليّ ذكرى زيارتي مع بعض من الإخوان ذوي المسؤولية والشأن لدار الرعاية الاجتماعية في أبها منذ عهد قريب حيث أحطنا بما يدور في هذه الدار الإنسانية التي ترعاها هذه الدولة السعودية الراشدة. أحطنا عندئذ بمهامها، وما تقدمه من خدمات لنزلائها من الآباء المعمّرين الذين أقعدهم المرض أو أدركتهم الشيخوخة أو مُنوا بعقوق أبنائهم، هنالك في إحدى صالات الدار التقينا بعدد غير قليل من أولئك النزلاء الذين جلسوا كعادتهم يتحادثون ويتذاكرون، ويقضون جزءاً من يومهم لدفع ما قد يلمّ بهم من هموم الحياة ونكدها بل وغربة الزمان وقسوته، وهم في مقام يشهد لحالهم بحسن المعاملة وطيب المنزل، عاليهم ثياب بيضاء، والبشر يغمر محياهم لمقدم هذا الوفد، ولرؤية الزائرين. لقد آلمني بحق منظر ذلك الشيخ المعمّر الذي قال بأنه من ساكني تهامة وأنه لم يجد سبيلاً للتحية سوى صوت الناي الذي تعوّد إطلاقه من قبل حينما كانت تهيج به الهموم، لقد أطلق صوته بالفعل، فامتلأ المكان بالحزن، وردد الصدى أشجان ذلك الحزين، وكأنه يستعيد ذكريات شبابه في مهوى إحدى قرى تهامة، حيث مقامه ومهوى فؤاده: أيام صباه مع رفاقه وأغنامه وعشيرته. وعندئذ قلت وقد مضى بنا المسير: أحقاً يقع هذا العقوق من أبناء هذا المجتمع المسلم، والله سبحانه وتعالى يقول: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً»، وعندئذ استذكرت قول أمية بن أبي الصلت السابق.