نعمة العقل من النعم الكبيرة أنعم الله بها على الانسان ، وبالطبع عليها يبنى العديد من الأمور، وبها يحصل التكليف الشرعي، وكذلك تبنى عليها امور الحياة والعمل والانتاج والانجاز والتربية والاخلاق والتطوير والابداع، وبنفس الوقت ترتبط هذه النعمة بالعديد من الحالات التي تسمح لها بالتعبير عن نفسها بالشكل الامثل والأفضل وحتى الأروع. وهناك حالات وظروف تؤدي بها للانحراف عن سجيتها، فيصبح العقل غير عاقل وقد تكون هذه الحالات مرتبطة بارادة الشخص وقد تكون غير مرتبطة بها، فعندما تكون غير مرتبطة فانها تنجم عن مرض معين أو داء عضال، أو اضطراب نفسي خطير، أو حالة عصبية معينة، أو رضوض كما في الحوادث، وهذه الحالات ربما يعرفها الاطباء أكثر من غيرهم، وهي ليست مجالا لبحثنا وتعليقنا، ولكن هناك حالات مرتبطة بارادة الشخص، وهذه هي التي تعنينا، فالشخص الذي أدمن الكحول، وعشق المخدرات والمسكرات، فإنه يذهب عقله بنفسه، ويتصرف بسلوكيات لا واعية، ولا أخلاقية، ويصبح كالبهيمة، بل أضل سبيلاً. وأيضاً ذلك الشخص الذي اتبع الشهوات فأودت به، واردته في المهالك وسوء الأمور، فكان عقله أقل من أن يسمى عقلاً بمراحل عديدة ودرجات كبيرة، أما الذي امتهن الانحراف والسلوكيات الخاطئة والاعمال الاجرامية، فانه بالتأكيد أدار ظهره لعقله، وركب هواه، واصبح خطراً على غيره وعلى مجتمعه وأمته. إن العقل هو بصيرة ينعم الله بها على الانسان وليس هو مادة دماغية فحسب، فتلك المادة قد لا تنفث الا الرديء، وقد لا توصل صاحبها إلا الى المهالك، وعلى العكس عندما ينعم الله على صاحبها بالهداية والعقل المنير والبصيرة المتنورة، فإن كل هذا سيؤدي بصاحبه الى جنان الخلد باذن الله. اذا كان الانسان هو الوحيد الذي يتحمل الامانة، فان العقل من كبرى الامانات التي عليه ان يصونها، ويحفظها ويجعلها توصله الى الطريق الصحيح الذي فيه كل السعادة ، اما ان اهمل هذه الامانة، او ارتكب الأذى بحقها، فإنه بالتأكيد لن يصل الا الى الطريق الخاطئ الذي فيه كل التعاسة في الدنيا والآخرة. قد نرى أحيانا أشخاصاً كباراً وفي أماكن مرموقة، لا بل زعماء دول، ولكن تصدر منهم تصرفات يضحك منها حتى الصغير، فالعقل نعمة، ولا يصل لحقيقتها الا من هداه الله لذلك، ولذلك قد نجد طفلاً صغيراً يعطيك فكرة، أو يقول لك كلمة تنم عن عقل يوزن بالجبال والعكس صحيح، تلك حكاية العقل، وندعو الله تعالى أن يديم علينا وعليكم تلك النعمة، إنه على كل شيء قدير.